ويترتّب على ما ذكرنا من أنّ أدلة حجيّة خبر الثقة تختص بالخبر الحسي لا الحدسي.
مسألة أخرى ، وهي : أنّه إذا اكتشف شخص من خلال استنتاجه ونظره واجتهاده قول المعصوم عن طريق اتفاق عدد معيّن من العلماء أقل من الإجماع على فتوى ما ، فأخبرنا بقول المعصوم بذلك مستندا في إخباره عن قول المعصوم إلى اتفاق هذا العدد المعيّن من العلماء ، فهل يكون إخباره هذا حجّة أم لا؟
الصحيح أنّ مثل هذا الإخبار لا يكون حجّة ولا تشمله أدلة حجيّة خبر الثقة ، لأنّ إخباره بقول المعصوم لم يكن مستندا إلى الحس أو إلى شيء من لوازم وآثار الحس ، وإنّما كان مستندا إلى الاجتهاد والنظر والحدس ولذلك لا يكون داخلا في موضوع أدلة حجيّة خبر الثقة ، فلا يقبل قوله هذا.
نعم يقبل قوله في وجود هذا الاتفاق ، فإنّ إخباره عن قول المعصوم كان مستندا إلى ما رآه من اتفاق هذا العدد المعيّن على الفتوى فيكون هناك إخباران في الحقيقة ، الأوّل لم يثبت وهو قول المعصوم ؛ لأنّه مستند إلى الحدس ، والآخر وجود اتفاق من عدد معيّن من العلماء على الفتوى بالحكم ، وهذا الإخبار مستند إلى الحس ، لأنّه تتبع ونظر أو سمع هذه الآراء ، فمستند الاتفاق المذكور حسي ، ولذلك يقبل قوله فيه ، بشرط ألا يكون متسامحا بدعوى الاتفاق كبعض العلماء الذين كانوا يدّعون الإجماعات على كثير من الفتاوى مع وجود المخالف لها ، أو مع وجود الإجماع المعارض في نفس الزمان.
وحينئذ يثبت وجود اتفاق من عدد معيّن من العلماء على هذه الفتوى ، وأمّا أنّ هذا الاتفاق هل هو حجّة وكاشف عن الحكم الشرعي بنظرنا أم ليس كذلك؟ فهذا بحث آخر ، ولذلك فإنّ كان هذا الاتفاق يفيدنا العلم أو الوثوق فيؤخذ به من باب حجيّة العلم والاطمئنان الشخصي ، وإن لم يفدنا ذلك لم يكن حجّة وكاشفا عن الحكم ، ولا قيمة له أصلا.
وعلى هذا الأساس نعرف الحال في الإجماعات المنقولة ، فإنّه كان يقال عادة : إنّ نقل الإجماع حجّة في إثبات الحكم الشرعي ، لأنّه نقل بالمعنى لقول المعصوم وإخبار عنه.