والوجه الآخر : ما يدّعى من وجود قرينة في الآية [ تدلّ ] على عدم الإطلاق ، لظهورها في تعلّق الإنذار بما تفقّه فيه المنذر في هجرته ، و[ في ] كون الحذر المطلوب مترقبا عقيب هذا النحو من الإنذار ، فمع شكّ السامع في ذلك لا يمكن التمسّك بإطلاق الآية لإثبات مطلوبيّة الحذر.
الوجه الثاني : أنّه يوجد ما يدلّ على التقييد وهو : أنّ التحذّر يجب فيما يجب فيه الإنذار ، أي أنّ موضوعهما واحد ، وهو الأحكام الواقعيّة بقرينة التفقه في الدين ، أي معرفة الأحكام الإلهية الواقعيّة ، وحينئذ يجب التحذر عن هذه الأحكام الواقعيّة إذا كان الإنذار بها وأمّا إذا لم يكن الإنذار بالأحكام الواقعيّة فلا يجب التحذر عنها قطعا.
فالتحذّر المترقّب وقوعه من الناس هو التحذر عند الإنذار بالأحكام الواقعيّة لا غير.
وعليه ، فإذا شكّ المنذر بأنّ هذا الإنذار من الأحكام الواقعيّة أو ليس منها فلا يحرز موضوع وجوب التحذر فلا يجب ، وهذا يعني أنّه لا بدّ من إحراز الموضوع وهو معنى كون التحذّر واجبا عند إفادة الإنذار لعلم السامع لا مطلقا (١).
ويمكن النقاش في الأمر الثالث : بأنّ وجوب التحذر مترتّب على عنوان الإنذار لا مجرّد الإخبار ، والإنذار يستبطن وجود خطر سابق ، وهذا يعني أنّ الإنذار ليس هو المنجز والمستتبع لاحتمال الخطر بجعل الشارع الحجيّة له ، وإنّما هو مسبوق بتنجز الأحكام في المرتبة السابقة بالعلم الإجمالي أو الشك قبل الفحص.
المناقشة في الأمر الثالث : ويرد على الأمر الثالث وهو استفادة حجيّة خبر الواحد من خلال كون الإنذار والتحذر مطلقين أمران :
الأوّل : أنّ وجوب التحذر مطلقا سواء أفاد العلم للسامع أم لا مترتب على عنوان الإنذار ؛ لأنّ التحذر وقع عقيب الأمر بالإنذار فيكون التحذر واجبا مطلقا عند تحقّق عنوان الإنذار.
__________________
(١) إلا أنّ هذا الوجه يمكن الجواب عنه بأنّه يكفي كون الإنذار منجزا للواقع ولو ظاهرا ، بمعنى أنّ التحذر يجب فيما إذا كان الإنذار فيه مقتضي المنجزية وهو الإخبار بالأحكام الإلزامية التي يعتقد المنذر كونها واقعيّة ، وإلا لزم التشكيك في كثير من الإنذارات وهو خلاف ما ورد عنهم من أنّه لا ينبغي التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا.