سواء أفاد إنذارهم العلم أم لا ، وأمّا أنّ وجوب التحذر مطلق أيضا فهذا لا دليل عليه ؛ إذ الآية لم تتعرض لوجوبه أساسا فضلا عن كونه مطلقا.
وحينئذ لا مانع من التفكيك بين الوجوبين ، بأن يكون وجوب الإنذار مطلقا لحالتي العلم وعدمه ، بينما يكون وجوب التحذر مختصا فيما إذا استفاد السامع العلم من إخبار المنذر ، ولا ملازمة بين إطلاق الإنذار وإطلاق التحذر أصلا.
والغرض من إيجاب الإنذار مطلقا مع أنّ إيجاب التحذّر ليس كذلك هو الاحتياط والتحفّظ على الأحكام الواقعيّة التي يخبر عنها المنذر ضمن مجموع إخباراته التي لا يفيد بعضها العلم ، فإنّ السامع قد يستفيد العلم من بعض هذه الإنذارات فتكون حجّة عليه ويجب عليه التحذر عنها وهو المطلوب والمراد للشارع من إنذار النافرين.
وبتعبير آخر : أنّ الشارع يريد أن يتحذر الناس عن الإنذارات التي تفيدهم العلم ولكن لمّا لم يكن بالإمكان إعطاء الضابطة الكليّة والعامّة لهذا الأمر أوجب الإنذار على النافرين على كل حال سواء كان إنذارهم مفيدا للعلم أم لا ، وذلك حفاظا على أن يتحقّق الإنذار المفيد للعلم لدى السامع من مجموع هذه الإنذارات فيتحذر عنها بالخصوص ، أو أن يكون لهذا الإنذار مساهمة في إفادة العلم لدى السامع بعد ضمّ بعض الشواهد والقرائن الأخرى إليه.
وهذه فائدة معقولة جدا حفاظا على الملاكات الواقعيّة للأحكام عند الاختلاط أو عند عدم تمييزها عن غيرها بأن يجعل الشارع حكما ظاهريّا عاما بقصد الحفاظ على الملاكات الواقعيّة ضمن مجموع دائرة الإنذارات.
بل لو أنّ الشارع قد جعل وجوب الإنذار مختصا بما إذا كان مفيدا لعلم السامع لتعطلت كثير من الإنذارات فيما إذا اعتقد المنذر بأنّها لا تفيد السامع العلم ، وبالتالي سوف لن ينذر حتّى بالأحكام الواقعيّة التي تفيد العلم واقعا بتخيل واعتقاد عدم إفادتها للعلم ، وهذا يفوّت الملاكات الواقعيّة للأحكام الإلزاميّة في فرض كونها أهم من ملاكات الترخيص والإباحة.
وهذا الأمر يتناسب مع حقيقة وروح جعل الحكم الظاهري كما تقدّم ، ولذلك لا دليل على أنّ وجوب التحذر مطلق.