وذلك بأن يقال : إنّ مقتضى قاعدة احترازية القيود انتفاء شخص ذلك الوجوب للتبيّن بانتفاء الفسق. وعليه ، فوجوب التبيّن عن خبر العادل ، إن أريد به شمول شخص ذلك الوجوب له فهو على خلاف القاعدة المذكورة ، وإن أريد به شخص آخر من وجوب التبيّن مجعول على عنوان خبر العادل ، فهذا غير محتمل ؛ لأنّ معناه أنّ خبر العادل بما هو خبر العادل دخيل في وجوب التبيّن هذا ، وهو غير محتمل ، فإنّ وجوب التبيّن إما أن يكون بملاك مطلق الخبر أو بملاك كون المخبر فاسقا ، ولا يحتمل دخل عدالة المخبر في جعل وجوب التبيّن.
وهذا الميزة يمكن إبرازها ببيان : أنّه بناء على قاعدة احترازية القيود القائلة بأنّ كل ما يقوله ويذكره في كلامه فهو مراد له جدا ، فحيث إنّه ذكر في كلامه عنوان الفسق فيكون له مدخليّة في الحكم بوجوب التبيّن وهذا معناه أنّه إذا لم يكن المخبر فاسقا فلا يجب التبيّن المستفاد من الكلام المذكور ، أي أنّ شخص وجوب التبيّن ينتفي عن خبر العادل ، وأمّا أنّه هل يثبت وجوب التبيّن عن خبر العادل بدليل آخر أم أنّه يجب التبيّن فيه؟ فهذا يحتاج إلى دليل آخر ، وفي المقام يوجد هذا الدليل على أنّه لا يجب التبيّن عن خبر العادل وذلك على أساس أنّ وجوب التبيّن عن خبر العادل يحتمل فيه عدة أمور ، هي :
الأوّل : أن يكون وجوب التبيّن عن خبر العادل بنفس الملاك الموجود في المنطوق ، بأن يكون نفس وجوب التبيّن الوارد في المنطوق شاملا للفاسق وللعادل معا.
وهذا الاحتمال غير صحيح لأنّه على خلاف قاعدة احترازية القيود ، حيث إنّها تدلّ على انتفاء شخص الحكم عند انتفاء الوصف ، فإذا انتفى الفسق فلا يجب التبيّن عن خبر العادل بهذا الوجوب ، بل لا بدّ من إثباته بوجوب آخر مماثل.
الثاني : أن يكون وجوب التبيّن عن خبر العادل ثابتا بدليل آخر غير ما ورد في المنطوق ، ويكون موضوعه خبر العادل بأن يكون هناك وجوب آخر للتبيّن مجعول على نفس عنوان خبر العادل بما هو كذلك.
وهذا الاحتمال غير تام أيضا ، لأنّه يعني أنّ العدالة قد أنيط بها وجوب التبيّن بما هي كذلك ، أي لذاتها وعنوانها ، وهذا معناه أنّ العلّة والملاك للتبيّن عن خبر العادل هي كونه عادلا وهذا ممّا لا يحتمله العقلاء والعرف.