القويم ؛ إذ هم متّبعون لما يرونه بعقولهم صحيحا ولا يضرّ ذلك بالأغراض التشريعيّة للشارع الأقدس.
وليس بالإمكان تصحيح الاستدلال بالسيرة على الحجّيّة بأفضل من القول بأنّها تمسّ الشارع ؛ لأنّها توجب على أساس العادة الجري على طبقها حتّى في نطاق الأغراض التشريعيّة لمولى لم يساهم في تلك السيرة ، وتوحي ولو ارتكازا وخطأ بأنّ مؤدّاها مورد الاتّفاق من الجميع ، وبذلك تصبح مستدعية للردع على فرض عدم التوافق ، ويكون السكوت عندئذ كاشفا عن الإمضاء.
والصحيح : أنّ الاستدلال بالسيرة العقلائيّة بلحاظ الأحكام الظاهريّة تامّ ، وبالتالي تكون حجّة مع عدم الردع عنها.
وبيان ذلك : أنّ السيرة والبناء متّفق عليه من جميع العقلاء سواء الآمرين والمأمورين فعلا وقوّة كما تقدّم ، وهذا البناء والاتّفاق معناه أنّ كلّ آمر وحاكم حتّى وإن لم يكن داخلا فعلا في هذا الاتّفاق والبناء ، إلا أنّه يعتبر مساهما ومشاركا فيه ويكون بنظرهم ملزما بالجري على طبق هذا البناء والاتّفاق.
وعلى هذا فيرتكز في أذهان العقلاء ولو خطأ واشتباها أنّ الشارع الأقدس أيضا يسير وفقا لهذا البناء في تنظيم علاقاته بينه وبين مأموريه عند الشكّ وعدم العلم ، ويعتبرون أنّه موافق لبنائهم واتّفاقهم ؛ لأنّه لو لم يكن موافقا لهم لكان عليه أن يردعهم ويبيّن لهم الطريق الذي يجعله حجّة بينه وبين مواليه ومأموريه.
ولذلك تكون هذه السيرة من شأنها الإضرار بالأحكام التشريعيّة للشارع الأقدس فيما إذا لم يكن موافقا لها ؛ لأنّ هذا الارتكاز يمسّ بصورة مباشرة أحكام الشارع أيضا ؛ لأنّ هذا الارتكاز يوحي أنّ الشارع موافق على بنائهم ، إذ لو لم يكن موافقا لبيّن ذلك ، فسكوته وعدم ردعه يعتبر إمضاء عندهم وإن كان خطأ واشتباها. إلا أنّه بعد حصوله وتحقّقه يكون مضرّا بالأحكام التشريعيّة للشارع ومفوّتا لغرضه في حالة عدم التوافق معهم ، وهذا يحتّم عليه الردع والنهي وعدم السكوت ، فالسكوت إذا يكشف عن الإمضاء.
وبهذا نعرف أنّ الشرط في الاستدلال بالسيرة العقلائيّة على الحجّيّة بمعناها الأصوليّ ـ المنجّزيّة والمعذّريّة ـ أن تكون السيرة العقلائيّة في مجال التطبيق قد