قد يجعل الأمارة الفلانيّة حجّة بينه وبين أبنائه بلحاظ أغراضه التشريعيّة التي يطلبها منهم ، ولا معنى لأن يجعلها حجّة بالنسبة إلى سائر الآباء الآخرين مع أبنائهم ، وهكذا يتّضح أنّ الحجّيّة المتبانى عليها عقلائيّا إنّما هي في حدود الأغراض التشريعيّة لأصحاب البناء أنفسهم فلا يضرّ الشارع ذلك.
كان الجواب : أنّ فرض دخول الشارع في البناء والاتّفاق العقلائي مصادرة على المدّعى ؛ وذلك لأنّ جعل قول اللغوي مثلا حجّة ومنجّزا ومعذّرا لا يعقل صدوره وجعله واتّخاذ قرار به إلا من قبل نفس الجاعل للحجّيّة بينه وبين مأموريه ومواليه ، ولا ربط لذلك ببقيّة الآمرين وليس ملزما لهم إلا أن يكون داخلا معهم في الاتّفاق المذكور ، وهنا الاتّفاق إنّما صدر من الموالي العرفيّين ولا يعلم بدخول الشارع معهم في سيرتهم ، فلا يكون بناؤهم حجّة عليه وملزما له ويجب قبوله وإمضاؤه ؛ لأنّ كلّ آمر وحاكم هو الذي يحدّد كيفيّة العلاقة بينه وبين مأموريه ولا شأن له بالآخرين ، كما أنّه لا شأن للآخرين به.
فمثلا الأب له ولاية على أبنائه فإذا جعل الأب بينه وبين أبنائه أمارة معيّنة حجّة منجّزة ومعذّرة كان ذلك ملزما له فقط ، ولا يكون ملزما لسائر الآباء مع أبنائهم ، فإنّ كلّ أب منهم له الحقّ بأن يجعل الأمارة التي يراها مناسبة بينه وبين أبنائه ، ولا يضرّه الاتّفاق المبرم بين ذاك الأب وأبنائه.
وهنا الاتّفاق والبناء المذكور إنّما صدر من الآمرين العقلائيّين العرفيّين فيكون حجّة وملزما لكلّ آمر وحاكم من العقلاء والموالي العرفيّين ، ولا يكون ملزما للشارع الأقدس ليكون سكوته عنه إمضاء وقبولا ، أو ليجب الردع عنه إذا كان مخالفا لما يراه حجّة بينه وبين مأموريه.
فالاستدلال بالسيرة إذا غير تامّ للفارق الكبير بين العقلاء والشارع الأقدس.
والأسس الثلاثة المذكورة سابقا لا تجري هنا ؛ لأنّ تفويت الغرض إنّما يضرّ لو كانت السيرة مضرّة بأغراض الشارع التشريعيّة ، وقد تبيّن أنّها غير مضرّة بغرضه فسكوته ليس نقضا للغرض ، مضافا إلى أنّها ليست منكرا لينهى عنه ؛ إذ هي خارجة عن نطاق تشريعاته.
وأمّا ظهور حاله في مجتمع صالح فهو غير تامّ ؛ لأنّ العقلاء ليسوا مخالفين للطريق