وأمّا بلحاظ البحث الثبوتي الثاني أعني الجبر والتفويض فقد بحثه الشهيد قدسسره في الكتاب ضمن المسألتين الكلامية والفلسفية. أي تارة من جهة انّ الفعل هل هو منتسب إلى الإنسان أو إلى الله أو اليهما معاً بنحو طولي أو عرضي ، وقد سمّاه بالبحث الكلامي. والجهة الاخرى في الجبر والاختيار وهي الجهة المهمة للبحث وإن كان بينها وبين الجهة الاولى ارتباط في الجملة كما بيّن في الكتاب.
ونحن نقول : انّ منشأ شبهة الجبر أحد امور ثلاثة :
الأوّل : أن يقال في البحث عن الجهة الاولى ـ من يصدر عنه الفعل ـ أنّ أفعال الإنسان تصدر من الله سبحانه وانّ الإنسان ليس إلاّمحلاً وعلّة مادية نظير الخشب عندما يصنعه النجار سريراً ، ولعلّ هذا هو مدعى الأشعري.
وفيه : ما هو واضح بالبداهة والوجدان من الفرق بين حركة قلب الإنسان أو معدته وحركة يده أو رجله الاختيارية من حيث انّ للانسان واختياره دخلاً في صدوره وانّه ليس مجرد محل لايجاد الغير هذه الحركة فيه.
الثاني : شبهة انّ الله عالم بمعصية العاصي واطاعة المطيع وعلمه لا يمكن أن يتخلّف عن المعلوم لاستحالة الجهل في حقه ، وهذا يعني استحالة عدم تحقق العصيان من العاصي وعدم تحقق الاطاعة من المطيع ، وانّ صدور تلك المعصية وهذه الاطاعة ضرورية وهو مساوق مع الجبرية والحتمية وهذا هو المعبر عنه في شعر خيام ( گر مى نخورم علم خدا جهل بود ).
وفيه : ما هو واضح من انّ العلم ليس دوره إلاّالكشف لا التأثير في وقوع المعلوم وعدم وقوعه واستحالة الجهل في علم الله عزوجل لا تعني كونه علّة لتحقق الواقع المنكشف به ، وأي ربط لأحدهما بالآخر ، فإذا استحال مثلاً العلم