القرآن الکريم ، فبحثه في هذه المسألة أشبه أن يکون بحثاً تفسيرياً ، أو بحثاً نقلياً ، لاعتماده في إثباته على النصوص القرآنية کما مرّ بيانها في محله.
ولکن يبقى شيء يمکن أن يکون محل أخذ على صدر الحکماء ، وهو عدم ثباته على رأي واحد في بحث هذه المسألة ، فتارة نجده يقول بالمعاد الجسماني ولکن لا بعين هذا البدن ، بل ببدن مثل هذا البدن ، وهذا ما أفصح عنه في شرحه لکتاب الهداية الأثيرية للشيخ ابن سينا ، حيث جاء فيه ما إليک نصه : ( ... ثم إعلم أنّ إعادة النفس إلى بدن مثل بدنها الذي کان لها في الدنيا ) ، (١) وقال أيضا في کتاب المبدأ والمعاد : ( إنّما الاعتقاد في حشر الأبدان يوم الجزاء ، هو أن يبعث أبدان من القبور ... ) ، (٢) فالقول الأول صريح بما قلنا ، والثاني لم يشترط فيه أن يکون عين البدن الأول ، بينما نرى کلامه في کتابه المظاهر الإلهية يؤکد مسألة العينية بين البدنين ، فقد جاء فيه قوله : ( وأنت إذا تأملت في هذه المقدمات يظهر لک أن المحشور يوم الآخرة عين البدن الموجود في دار الغرور روحاً وبدناً ، مع تغير خصوصيات البدن من الوضع والجهة وغيرهما ، وهذه التغيرات لا تقدح في تشخص البدن ؛ لأن المادة في کل شيء مأخوذه على نحو الإبهام وتعين کل شيء بصورته ، ولو جاز تحقق الصورة بدون المادة ، لکانت صورة وفعلية. ألاّ تري أن بدن الإنسان يعرض عليه حالات متبدلة من الصبابة والترعرع والبلوغ والشبهات والکهولة ، ومع هذه التغيرات لا يخرج عن کونه بدن إنسان ، والغفلة عن تجرد الخيال صارت سبب إنکار حشر الأجساد ). (٣) وهذا الکلام صريح جداً في القول بوجوب العينية بين البدنين ، بينما نجده يؤکد على العينية بين البدنين بعد تقرير مجموعة من الأصول والمقدمات لها ، کما جاء في کتاب الأسفار ، حيث جاء فيه : ( إن من تأمل وتدبر في
ــــــــــــــــ
١. صدرالدين الشيرازي ، شرح کتاب الهداية الأثيرية ، ص ٣٨١.
٢. صدرالدين الشيرازي ، المبدأ والمعاد ، ص ٣٩٥.
٣. صدرالدين الشيرازي ، المظاهر الإلهية ، ص ١٨٢.