هـ) الفاعل لجميع الأفاعيل الطبيعية والحيوانية والإنسانية هو النفس
سبق وأن بيّنا في الأصل الثاني أن تشخص کل شيء يکون بوجوده الخاص به ، وهي ليست على وتيرة ودرجة واحدة کالوجود الذي في حال کونه حقيقة واحدة بسيطة ، وفي الوقت نفسه له مراتب تتفاوت فيما بينها شدة وضعفاً ، فالوحدة الشخصية في المقادير المتصلة عين متصليتها ، وفي الزمان ، والمتدرجات الوجود عين تجددها وتقضيّها ، وفي العدد عين کثرتها بالفعل ، وفي الأجسام الطبيعية عين کثرتها بالقوة ، وأيضاً حکمها في الجواهر المجردة غير حکمها في الجواهر المادية ، فالجسم الواحد يستحيل أن يکون موضوعاً لأوصاف متضادة کالسواد والبياض ، والحلاوة والمرارة والألم واللذة وغيرها ، وذلک لنقص وجوده وضيق وعائه للجمع بين الأمور المتخالفة ، فموضع البصر في الإنسان غير موضع السمع فيه ، وهکذا في سائر الحواس الأخرى ، وأما الجوهر النفساني فإنه مع وحدته يوجد فيه السواد والبياض وغيرها من المتقابلات ، وکلما زاد الإنسان تجرداً واشتد قوة وکمالاً ، صار إحاطته بالأشياء أکثر ، وجميعته للمخالفات أتم ، فهو يتدرج في الکمال حتى يستوفي في نفسه أي ذاته الوجود کله ، ومما يبين ذلک ويوضحه أن المدرک بجميع الادراکات الحسية والخيالية والعقلية ، والفاعل لجميع الأفاعيل الطبيعية والحيوانية والإنسانية الواقعة من الإنسان ، هو نفسه المدبرة ، فهي تتحرک صعوداً ونزولاً بين مراتبها الحسية والخيالية والعقلية ، وذلک لسعة وجودها ووفرة نورها المنتشر في الأطراف والاکناف. (١)
و) تشخص البدن وهويته
إنّ هوية البدن وتشخصه إنما يکونان بنفسه لا بجرمه ، فزيد مثلاً زيد بنفسه لا بجسده ، ولأجل ذلک يستمر وجوده وتشخصه مادامت النفس باقية فيه ، وإن تبدلت
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق ، الأصل السادس ، ص ١٨٨ ـ ١٨٩.