والسنة ، ثم بالدلائل العقلية ، وقد بيّن هذه الحقيقة بقوله : ( أهل النظر في هذا العلم « التوحيد الکلام » يتمسکون أولاً بآيات الله تعالى ، ثم بأخبار الرسول ، ثم بالدلائل العقلية والبراهين القياسية ، وأخذوا مقدمات القياس الجدلي والعنادي ولواحقها من أصحاب المنطق الفلسفي ، ووضعوا أکثر الألفاظ في غير مواضعها ، ويعبرون في عباراتهم بالجوهر ، والعرض ، والدليل ، والنظر ، والاستدلال ، والحجة ، ويختلف معنى کل لفظة من هذه الألفاظ عند کل قوم ، حتى الحکماء يعنون بالجوهر شيئاً ، والصوفية يعنون شيئاً آخر ، والمتکلمون شيئاً ، وعلى هذا المثال ... ). (١)
الأسلوب الثالث : الذوقي الصوفي
يعتمد هذا اللون من المعرفة على التأمل في الباطن والتزکية النفسية من جميع التعلقات الخارجية والداخلية التي تمنع النفس من مشاهدة ومکاشفة الموجودات المجردة الأخرى ، وقد أعطي الغزالي مکانة لهذا اللون من المعرفة ، وقيمة أعلى من قيمة العلم ، فقد قال فيه : ( العلم فوق الإيمان ، والذوق فوق العلم ، فالذوق وجدان ، والعلم قياس ، والإيمان مجرد بالتقليد ... ). (٢)
ويعتمد الأسلوب الذوقي بصورة مباشرة على الکشف والشهود ، فإذا لم يکن هناک کشف شهود فلا وجود للذوق عنده ، ويعني الغزالي بعلم المکاشفة ما يلي : ( قال : فنعني بعلم المکاشفة أن يرفع الغطاء حتى تتضح له جلية الحق الأمور اتضاحاً يجري مجرى البيان الذي لا شک فيه ، وهذا ممکن في جوهر الإنسان لولا أنّ مرآة القلب قد تراکم صدؤها وخبثها بقاذورات الدنيا ، وإنّما نعني بعلم طريق الآخرة ، العلم بکيفية تصقيل هذه المرآة عن هذه الخبائث التي هي حجاب عن الله سبحانه وتعالى وعن معرفة صفاته وأفعاله ، وإنما تصفيتها وتطهيرها بالکف عن الشهوات
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق.
٢. أبو حامد الغزالي ، مشکاة الأنوار ، ص ٧٨.