نفيهم لتجرد القوة الخيالية والصور الخيالية ، وابتعادهم عن فهم الشريعة السماوية فيما يتعلق ببرزخ النفوس بعد الموت ، حتى أن صدرالمتألهين قال : ( ومع التسليم أن تکون هذه الأجرام مرآة لهذه النفوس ، فإن ما ينعکس ويرتسم فيها فهو صور وتخيلات الأفلاک لا صور وتخيلات النفوس المفارقة للأبدان ، لأن تخيلاتها غير تخيلات هذه ، فکيف يحکمون بأن تلک الصور مما يتلذذ به السعداء أو يعذب به الأشقياء ) ، (١) على أساس ما ذهبوا إليه من عدم قابليتها للتأثيرات الغريبة القسرية ، والحال ليس لهذه النفوس المفارقة أبدان غير أبدان أخرى على زعمهم حتى تکون لأبدانها بالنسبة إلى تلک العلويات علاقة وضعية ، لتکون هي لها المرآة الخارجية حتى تشاهد ما فيها من الأشباح الخيالية.
وقال صدرالدين في بيان أحوال هؤلاء المتوسطين ومن السعداء والأشقياء : ( فالحق أن الصور التي يستلذها السعداء ، والتي يشقى بها الأشقياء ، ليست هي تصورات الأفلاک وما في حکمها ، بل هي مما أعدت لهما في دار أخرى وصقع آخر ، کما وعدها الشريعة الإلهية ، ولهم أبدان أخروية متناسبة لنفوسهم بهيئاتها وأخلاقها ، وإنما تضاهي تلک الأبدان والصور نفوس هاتين الطائفتين بضرب من الفعل والتأثير ... إلى أن قال : وهکذا يکون حالها في الآخرة بحسب سابقة فعل الطاعات والحسنات أو اقتراف المعاصي والسيئات المؤديتين إلى الصور الحسنة والقبيحة عند تجسم الأعمال وتصور الأعمال ، فيتنعم بها أو يتعذب منها ، وهاتان الجهتان لم تزالا موجودتين في النفس ما لم نصر عقلاً بسيطاً صرفاً يکون علاماً وفعالاً بجهة واحدة لما ثبت أن « عنه » و « فيه » في البسيط المحض شيء واحد ). (٢)
وأخيراً نقول : إن هذه التقسيمات التي ذکرها صدرالمتألهين في هذه المسألة لا تعني أنها جميع المقامات الدرکات التي سوف تدخلها نفوس الناس بعد الحشر ،
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق ، ص ٣٧.
٢. المصدر السابق.