« إليكم عنّي ، فلا عذر بعد تعذيركم ، ولا أمر بعد تقصيركم » (١).
أحسّت سيّدة نساء العالمين عليهاالسلام بدنوّ أجلها ، واشتدّت وطأة المرض عليها ، فقد أنهكتها الكوارث والمصائب التي ألمّت بها بعد وفاة أبيها صلىاللهعليهوآله ، ولاحت عليها بوادر الضعف ، وانهارت قواها ، فأيقنت أنه حان موعد الالتحاق بأبيها صلىاللهعليهوآله والاجتماع به في جوار الربّ الكريم.
لقد مرضت الصدّيقة مرضاً شديداً ، ومكثت أربعين ليلة ، فلمّا نعيت إليها نفسها ، دعت أُم أيمن وأسماء بنت عميس ووجّهتْ خَلْفَ علي عليهالسلام وأحضرته ، فقالت : « يا ابن عم ، إنّه قد نعيت إلي نفسي ، وإني لا أرىٰ ما بي إلّا أنّني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا اُوصيك بأشياء في قلبي ».
قال لها علي عليهالسلام : « أوصيني بما أحببتِ يا بنت رسول الله » ! فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ، ثمّ قالت : « يا ابن عم ، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني » فقال علي عليهالسلام : « معاذ الله ، أَنت أَعلم بالله وأبرّ وأتقىٰ وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أوبّخك بمخالفتي ، قد عزّ عليَّ مفارقتك وفقدك ، إلّا أنه أمر لابدّ منه ، والله جدّدتِ عليّ مصيبة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما
_____________
(١) من مصادر هذه الخطبة : بلاغات النساء / ابن طيفور : ٣٢ ، دلائل الإمامة / الطبري الإمامي : ١٢٦ ـ ١٢٩ / ٣٧ و ٣٨ ، معاني الأخبار / الصدوق : ١٠١ ط إيران ، الأمالي / الطوسي : ٢٣٨ ، الاحتجاج / الطبرسي ١ : ١٤٩ ، شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٣٤ ، وغيرها من المصادر المعتبرة.