ومنها : أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله اعترف في مواضع من القرآن بانحصار معجزته فيه ، بنحو قوله : ( هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً ) (١) مع عدم ثبوت غيره من المعجزات التي تدعونها لا بالخبر المتواتر ، ولا بالواحد المحفوف بالقرينة القطعيّة ، ولم يذكر اسمه في كتاب من الكتب السماويّة ، بخلاف معجزات عيسى فإنّها ممّا كتبها ثلاثة رجال ، أو أربعة كتبوا الإنجيل ، وكذا بعض الحواريّين ممّن شاهدها ، وأخبار هؤلاء معتبرة في غاية الاعتبار ، واسمه مذكور في الكتاب السماويّ.
والجواب مثل ما مرّ ، مضافا إلى ما يقال : من أنّ اعترافه بأنّ معجزات عيسى عليهالسلام وصلت بواسطة العدد المذكور ، يقتضي عدم حصول القطع بها سيّما بالنسبة إلى جميع النصارى ، وكذا أصل الإنجيل ، وبيان أحوال عيسى عليهالسلام على التفصيل ؛ لاقتضاء ما ذكر عدم تحقّق ما يوجب القطع بما ذكر ، مع أنّ المعتبر في أصول الملل ما يفيد القطع بالقطع ، كما أنّا ندّعي القطع في معجزات نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله ؛ لثبوتها في الكتاب والسنّة ، مع القرينة والاشتهار المفيد للقطع بصدور ما يعجز سائر الخلق عن الإتيان بمثله حتّى أنّ المشركين قالوا : إنّ هذا سحر مبين ، ونحو ذلك.
وإنكار ذلك لا يصدر إلاّ ممّن كان في قلبه زيغ ، ويكون تابعا للخيالات والأوهام الفاسدة ، خارجا عن طريقة العقل ، فإنّ العقل يحكم بامتناع تواطؤ المخبرين ـ بأنّ القرآن من نبيّنا محمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآله ـ على الكذب ، أو العادة تحكم بالقطع بذلك ولو بانضمام القرائن ، فإنكار ذلك إنكار القطع الضروريّ ، وصادر من عدم التتبّع والسماع الكاشفين عن حكم الحقّ ، وذكر نبيّنا صلىاللهعليهوآله في الكتب السماويّة ، وكونه صاحب المعجزات الكثيرة ـ كما مرّت إليه الإشارة ـ مع أنّ الذكر غير لازم كما في النبيّ المتقدّم ، بل المناط هو المعجزة المصدّقة.
__________________
(١) الإسراء (١٧) : ٩٣.