قال عمّار : فخرجت وإذا على الباب امرأة في قبّة على جمل وهي تشتكي وتصيح : يا غياث المستغيثين ، ويا بغية الطالبين ، ويا كنز الراغبين ، ويا ذا القوّة المتين ، ويا مطعم اليتيم ، ويا رازق العديم ، ويا محيي كلّ عظم رميم ، ويا قديم سبق قدمه كلّ قديم ، يا عون من ليس له عون ولا معين ، يا طود من لا طود له ، يا كنز من لا كنز له ، إليك توجّهت وبوليّك توسّلت وخليفة رسولك قصدت ، فبيّض وجهي وفرّج عنّي كربتي.
قال عمّار : وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة قوم لها وقوم عليها ، فقلت : أجيبوا أمير المؤمنين عليهالسلام أجيبوا عيبة (١) علم النبوّة ، قال : فنزلت المرأة من القبّة ونزل القوم معها ودخلوا المسجد فوقفت المرأة بين يدي أمير المؤمنين عليهالسلام وقالت : يا مولاي يا أمير المؤمنين عليهالسلام ، ويا إمام المتّقين إليك أتيت وإيّاك قصدت فاكشف كربتي وما بي من غمّة ، فإنّك قادر على ذلك وعالم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة.
فعند ذلك قال : « يا عمّار ، ناد في الكوفة : من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه الله أخا رسول الله صلىاللهعليهوآله فليأت المسجد ».
قال : فاجتمع الناس حتّى امتلأ المسجد ، فقام أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « سلوني ما بدا لكم يا أهل الشام » فنهض من بينهم شيخ قد شاب ، عليه بردة يمانية فقال : السّلام عليك يا أمير المؤمنين عليهالسلام ويا كنز الطالبين ، يا مولاي هذه الجارية ابنتي قد خطبها ملوك العرب ، وقد نكست رأسي بين يدي عشيرتي ، وأنا موصوف بين العرب ، وقد فضحتني في أهلي ورجالي؟ لأنّها عاتق (٢) حامل وأنا فليس بن عفريس لا تخمد لي نار ولا يضام لي جار وقد بقيت حائرا في أمري فاكشف لي هذه الغمّة ، فإنّ الإمام خبير بالأمر وهذه غمّة عظيمة لم أر مثلها ولا أعظم منها.
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « ما تقولين يا جارية ، فيما قال أبوك؟ » قالت : يا مولاي أمّا قوله : أنا عاتق فصدق. وأمّا قوله : إنّي حامل فو حقّك يا مولاي ما علمت من
__________________
(١) عيبة الرجل : موضع سرّه.
(٢) جارية عاتق ، أي شابّة أوّل ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج.