وأمّا في الثانية : فلأنّ السؤال في الحقيقة عن حكم الشكّ خصوصا في الخيّاط ، لأنّه في الخيّاط من الممكن بل هو الغالب عدم ملاقاة الثوب مع بدن الخياط مع رطوبة أحدهما.
وأمّا القصّار وإن كان يلاقي بدنه الثوب لا محالة ، لكن السؤال عن تنجّسه بواسطة عدم التوضّأ عن بوله ، فكأنّه عدم نجاسته الذاتيّة كان مفروغا عند السائل ويسأل عن تنجّس الثوب الذي يغسله بواسطة وصول النجاسة العرضيّة من طرف بوله وعدم التوضّأ إلى ذلك الثوب ، ومعلوم أنّ وصول تلك النجاسة العرضيّة إلى الثوب الذي يغسله مشكوك ، ولذلك لو كان القصّار مسلما لا يتوضّأ عن بوله لا نحكم بنجاسة الثوب الذي يغسله وإن كان غسله بالماء القليل.
نعم يأتي إشكال آخر ، وهو أنّه عليهالسلام لما ذا لم يردعه عن اعتقاده بطهارة الكتابي ، بل قرّره على ذلك بقوله عليهالسلام « لا بأس ».
ويمكن أن يجاب عنه : بأنّ تقريره عليهالسلام له لعلّه من جهة التقيّة ، وذلك من جهة أنّ تلك الأعصار كانت أعصار تقيّة لغلبة سلاطين الجور ، فكان الحكم الواقعي يخفى على أغلب الرواة ، ومع ذلك لا يردعهم الإمام عليهالسلام إمّا خوفا على نفسه ، وإمّا خوفا عليهم ، ولذلك ترى أنّ إبراهيم بن أبي محمود يسأل عن النجاسة العرضيّة لجهله بالنجاسة الذاتيّة ، والإمام عليهالسلام لا يردعه عن ذلك خوفا عليه أو لجهة أخرى.
منها : حسنة الكاهلي قال : سئل الصادق عليهالسلام وأنا عنده عن قوم مسلمين وحضرهم رجل مجوسي ، أيدعونه إلى طعامهم؟ قال : « أما أنا فلا أدعوه ولا أؤاكله ، وإنّي لأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم » (١).
وقد تقدّم الكلام في هذه الرواية وأنّها أظهر في نجاستهم من ظهورها في الطهارة ، وأنّ عدم بيان الحكم الواقعي لهم من جهة الخوف عليهم لكثرة البانين على طهارتهم
__________________
(١) « الكافي » ج ٦ ، ص ٢٦٣ ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠١٨ ، أبواب النجاسات ، باب ١٤ ، ح ٢.