وذلك من جهة أنّ المشركين قاسوا وقالوا إنّ المعاملة الربويّة مشتركة مع البيع في طلب الزيادة ؛ لأنّ البائع في البيع الغير الربويّ أيضا يطلب الزيادة والربح ، مثل إن كان الثمن والمثمن من غير المتجانسين ، فإذا كان طلب الزيادة موجبا لحرمة المعاملة ، فلم لا يكون البيع أي المعاملة والمعاوضة في غير المتجانسين حراما ، فأنكر ـ الله تعالى قياسهم وأبطله بقوله ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) وذلك لعلّة مخفية عليكم ، فليس لكم الاعتراض. ولذلك قالوا إنّ هذه الآية تدلّ على حرمة القياس.
هذا ، مضافا إلى أنّ قياسهم باطل حتّى بناء على حجّية القياس ؛ وذلك من جهة أنّه في البيع بناء البائع والمشتري على مساواة الثمن والمثمن من حيث القيمة ، وإنّما فائدة البائع باختلاف الأسوق أو الأزمان ، فيشتري البائع من سوق أرخص أو في زمان أرخص ، ويبيع في سوق أغلى أو زمان أغلى ، وإلاّ ففي نفس ذلك السوق أو ذلك الزمان لا بدّ وأن لا يخسر أحدهما بما لا يتسامح فيه ، وإلاّ فيأتي خيار الغبن ؛ ولذلك لو قال أحد للبائع : إنّ متاعك لا يسوى بهذه القيمة يتأذّى ؛ فالقياس في غير محلّه.
وعلى كلّ حال الربا تارة يكون في البيع ، وأخرى في القرض.
فنتكلّم في مقامين :
الأوّل : الربا في البيع ، بل في جميع المعاوضات.
وهذا القسم هو مورد قاعدتنا هذه ، أي عدم إتيان الربا إلاّ فيما إذا كان العوضان في البيع أي الثمن والمثمن من المكيل أو الموزون.
وقبل ذلك نتكلّم في حكم الربا بكلا قسميه : أي سواء كان في البيع ، أو كان في القرض فنقول :
ويدلّ على حرمته الكتاب العزيز والأحاديث المستفيضة بل المتواترة ، فحرمته من القطعيّات ، بل من الضروريّات بحيث يكون منكرها كافرا مرتدا ، ولا ينافي ما قلنا من أنّ حرمته من الضروريات ، اختلافهم في بعض الفروع ؛ لأنّ ذلك إمّا من جهة