ثمَّ قال : « لا تأكله ولا تتركه تقول إنّه حرام ، ولكن تتركه تنزّها عنه ، إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير » (١). ودلالة هذه الرواية على عدم النجاسة وجواز مؤاكلتهم واضحة بل صريحة ، وأنّ نهيه عليهالسلام تنزيهي لا تحريمي.
وقال الفقيه النبيه الهمداني قدسسره في مصباح الفقيه (٢) إنّ هذه الرواية تصلح قرينة بمدلولها اللفظي على صرف الأخبار الظاهرة في الحرمة أو النجاسة عن ظاهرها.
ومراده أنّ النواهي الموجودة في تلك الأخبار تكون أيضا تنزيهيّة ، وأشار شيخنا الأعظم قدسسره (٣) في طهارته إلى ظهورها في التقيّة.
أقول : ما ذكره قدسسره في غاية المتانة ، لأنّ آثار التقيّة بادية عليها ، فإنّه عليهالسلام بعد ما بيّن الحكم الواقعي للسائل سكت هنيئة وتأمّل في طريق التخلّص عن شرّ مخالفتهم في هذه الفتوى ، فعلّل عليهالسلام نهيه بذلك التعليل تقيّة ، فينبغي أن نعدّ هذه الرواية من أدلّة النجاسة ، لا الطهارة.
منها : صحيح العيص ، سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن مؤاكلة اليهود والنصارى والمجوس؟
فقال عليهالسلام : « إن كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس » (٤).
ويمكن أن يقال في توجيه هذه الرواية أنّ المؤاكلة أعمّ من المساورة بل غيرها ، لأنّ معنى المؤاكلة أن يكون معه مائدة واحدة وإن كان يأكل في ظرف مستقلّ ومختصّ به فلا تدلّ على طهارتهم. أمّا التقييد بالتوضّؤ فيمكن أن يكون لأجل النظافة
__________________
(١) « الكافي » ج ٦ ، ص ٢٦٤ ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح ٩ ، « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ٨٧ ، ح ٣٦٨ ، باب الذبائح والأطعمة ، ح ١٠٣ ، « المحاسن » ص ٤٥٤ ، ح ٣٧٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٦ ، ص ٣٨٥ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب ٥٤ ، ح ٤.
(٢) « مصباح الفقيه » ج ١ ، ص ٥٦٠.
(٣) « كتاب الطهارة » ص ٣٠٩.
(٤) « الكافي » ج ٦ ، ص ٢٦٣ ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٦ ، ص ٣٨٣ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب ٥٣ ، ح ١.