« والعجب أن هؤلاء المتقدمين ، بل من تأخر عنهم كالمحقق والعلامة والشهيدين وغيرهم إذا نقل واحد منهم قولا عن أبي حنيفة أو غيره من علماء العامة أو الخاصة أو نقل كلاما من كتاب معين ، ورجعنا إلى وجداننا ، نرى أنه قد حصل لنا العلم بصدق دعواه ، وصحة نقله ـ لا الظن ـ وذلك علم عادي ، كما نعلم أن الجبل لم ينقلب ذهبا ، والبحر لم ينقلب دما ».
فكيف يحصل العلم من نقله عن غير المعصوم ، ولا يحصل من نقله عن المعصوم غير الظن ، مع أنه لا يتسامح ولا يتساهل من له أدنى ورع وصلاح في القسم الثاني ، وربما يتساهل في الاول » (١).
أقول : ليت شعري كيف خفي على مثل الشيخ الحر : الفارق بين الامرين ، والمائز بين الموردين؟ فإن المحقق والعلامة والشهيدين وأمثالهم إذا نقلوا شيئا من أبي حنيفة ، فإنما ينقلونه عن حس ، لمشاهدة ذلك في كتاب جامع لآرائه ، وأما إذا نقلوا أمرا من معصوم ، فإنما ينقلونه عنه حسبما أدت إليه آراؤهم وأنظارهم ، وكيف يقاس الثاني بالاول.
ومما يؤكد أيضا بطلان دعوى القطع بصدور أخبار الكتب الاربعة عن المعصومين عليهم السلام ، اختلاف هذه الكتب في السند أو المتن. وسنبين موارده في ضمن التراجم إن شاء الله تعالى.
بل يتفق ـ في غير مورد ـ أن الرواية الواحدة تذكر في كتاب واحد مرتين أو أكثر مع الاختلاف بينهما في السند أو المتن ، وأكثر هذه الكتب اختلافا كتاب التهذيب حتى أنه قال في الحدائق (٢) : (قلما يخلو حديث فيه من ذلك (٣) في متنه أو سنده). وما ذكره ـ قدس سره ـ وإن كان لا يخلو من نوع من المبالغة ، إلا أنه صحيح في الجملة. والخلل في روايات التهذيب كثير ، نتعرض لبيانه من جهة
______________
(١) الوسائل : الجزء ٢٠ ، الصفحة ٩٩ ، الطبعة الحديثة.
(٢) الجزء ٤ ، الصفحة ٢٠٩ ، الطبعة الحديثة.
(٣) أي التحريف ، والتصحيف ، والزيادة ، والنقصان.