الحاجة إلى علم الرجال
قد ثبت بالأدلة الأربعة حرمة العمل بالظن ، وأنه لا يجوز نسبة حكم إلى الله سبحانه ما لم يثبت ذلك بدليل قطعي ، أو بما ينتهي إلى الدليل القطعي ، وناهيك في ذلك قوله سبحانه : ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ).
دلت الآية المباركة على أن كل ما لم يثبت فيه إذن من الله تعالى ، فنسبته إليه افتراء عليه سبحانه ، كما ثبت بتلك الأدلة أن الظن بنفسه لا يكون منجزا للواقع ، ولا معذرا عن مخالفته في ما تنجز بمنجز ، ويكفي في ذلك قوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) ، وقوله تعالى : ( وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ).
وأما الروايات الناهية عن العمل بغير العلم : فهي فوق حد الإحصاء ، ففي صحيح أبي بصير : « قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها؟ فقال : لا ، أما إنك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله ».
ثم إنه لا ريب في أن العقل لا طريق له إلى إثبات الأحكام الشرعية لعدم إحاطته بالجهات الواقعية الداعية إلى جعل الأحكام الشرعية. نعم يمكن ذلك في موارد قليلة ، وهي إدراك العقل الملازمة بين حكم شرعي وحكم آخر ، كإدراكه
__________________
(١) الكافي : الجزء ١ ، الكتاب ٢ ، باب البدع والرأي والمقاييس ١٩ ، الحديث ١١ ، ورواه البرقي في المحاسن مثله.