يشاء إلا الجميل من الاعمال ، ولا يريد القبائح ، ولا يشاء الفواحش ، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا ، قال الله تعالى : «وما الله يريد ظلما للعباد» وقال : «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» وقال : «يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم» الآية «والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ; يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا» فخبر سبحانه أنه لا يريد لعباده العسر ، بل يريد بهم اليسر ، وأنه يريد لهم البيان ، ولا يريد لهم الضلال ، ويريد التخفيف عنهم ، ولا يريد التثقيل عليهم ، فلو كان سبحانه مريدا لمعاصيهم لنا في ذلك إرادة البيان لهم ، أو التخفيف عنهم واليسر لهم ، فكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب إليه الضالون المفترون على الله الكذب ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. فأما ما تعلقوا به من قوله تعالى : «فمن يرد الله أن يهديه» الآية فليس للمجبرة به تعلق ولا فيه حجة ، من قبل أن المعنى فيه من أراد الله تعالى أن ينعمه ويثيبه جزاءا على طاعته شرح صدره للاسلام بالالطاف التي يحبوه بها ، فييسر له بها استدامة أعمال الطاعات ، والهداية في هذا الموضع هي التنعيم ، قال الله تعالى ـ فيما خبر به عن أهل الجنة ـ : «الحمد لله الذي هدانا لهذا» (١) الآية أي نعمنا به وأثابنا إياه ، والضلال في هذه الآية هو العذاب ، قال الله تعالى : «إن المجرمين في ضلال وسعر» (٢) فسمي العذاب ضلالا والنعيم هداية ، والاصل في ذلك أن الضلال هو الهلاك ، والهداية هي النجاة ، قال الله تعالى ـ حكاية عن العرب ـ : «أئذا ضللنا في الارض أئنا لفي خلق جديد» (٣) يعنون إذا هلكنا فيها ، وكأن المعنى في قوله : «فمن يرد الله أن يهديه» ما قدمناه «ومن يرد أن يضله» ما وصفناه ، والمعنى في قوله : «يجعل صدره ضيقا حرجا» يريد سلبه التوفيق عقوبة له على عصيانه ، ومنعه الالطاف جزاءا له على إساءته ، فشرح الصدر : ثواب الطاعة بالتوفيق ، وتضييقه : عقاب المعصية بمنع التوفيق ، وليس في هذه الآية على ما بيناه شبهة لاهل الخلاف فيما ادعوه من أن الله تعالى يضل عن الايمان ، ويصد
________________
(١) الاعراف : ٤٣.
(٢) القمر : ٤٧.
(٣) الم السجدة : ١٠.