والعقاب بمقتضى الوعد والوعيد ثابت من غير حبوط ، والمشهور من مذهب المعتزلة أنه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة ، فأشكل عليهم الامر في إيمانه وطاعاته ، وما يثبت من استحقاقاته ، أين طارت؟ وكيف زالت؟ فقالوا : بحبوط الطاعات ، و مالوا إلى أن السيئات يذهبن الحسنات ، حتى ذهبت الجمهور منهم إلى أن الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات. وفساده ظاهر ، أما سمعا فللنصوص الدالة على أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وعمل صالحا ، وأما عقلا فللقطع بأنه لا يحسن من الحليم الكريم إبطال ثواب إيمان العبد ومواظبته على الطاعات طول العمر بتناول لقمة من الربا ، أو جرعة من الخمر. قالوا : الاحباط مصرح في التنزيل ، كقوله تعالى : «ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم ، اولئك حبطت أعمالهم ، ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى» قلنا : لا بالمعنى الذي قصدتم ، بل بمعنى أن من عمل عملا استحق به الذم ، وكان يمكنه أن يعمله على وجه يستحق به المدح والثواب ; يقال : إنه أحبط عمله كالصدقة مع المن والاذى وبدونها. وأما إحباط الطاعات بالكفر بمعنى أنه لا يثاب عليها البتة فليس من التنازع في شئ ; وحين تنبه أبوعلي وأبوهاشم لفساد هذا الرأي رجعا من التمادي بعض الرجوع ، فقالا : إن المعاصي إنما يحبط الطاعات إذا اوردت عليها ، وإن اوردت الطاعات أحبطت المعاصي ، ثم ليس النظر إلى أعداد الطاعات والمعاصي بل إلى مقادير الاوزار والاجور ، فرب كبيرة يغلب وزرها أجر طاعات كثيرة ، ولا سبيل إلى ضبط ذلك بل هو مفوض إلى علم الله تعالى ، ثم افترقا فزعم أبوعلي أن الاقل يسقط ولا يسقط من الاكثر شيئا ، و يكون سقوط الاقل عقابا إذا كان الساقط ثوابا ، وثوابا إذا كان الساقط عقابا ، وهذا هو الاحباط المحض. قال أبوهاشم : الاقل يسقط ويسقط من الاكثر ما يقابله ، مثلا من له مائة جزء من العقاب واكتسب ألف جزء من الثواب فإنه يسقط منه العقاب ومائة جزء من الثواب بمقابلته ، ويبقى له تسعمائة جزء من الثواب ، وكذا العكس ، وهذا هو القول بالموازنة انتهى كلامه.
أقول
: الحق أنه لا يمكن إنكار سقوط ثواب الايمان بالكفر اللاحق الذي