المولى للايتان بها وجد عليها مانعا يمنعه منها إلا بالثمن ، ولا يملك العبد ثمنها ، فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه لذلك ، وعاقبه على ذلك فإنه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته ، وإن لم يعاقبه كذب نفسه أليس يجب أن لا يعاقبه؟ والكذب والظلم ينفيان العدل والحكمة ، تعالى الله عما يقول المجبرة علوا كبيرا.
ثم قال العالم عليهالسلام بعد كلام طويل : فأما التفويض الذي أبطله الصادق عليهالسلام وخطأ من دان به فهو قول القائل : إن الله تعالى فوض إلى العباد اختيار أمره ونهيه و أهملهم ، (١) وفي هذا كلام دقيق(٢) لم يذهب إلى غوره ودقته إلا الائمة المهدية عليهمالسلام من عترة آل الرسول صلوات الله عليهم ، فإنهم قالوا : لو فوض الله أمره إليهم على جهة الاهمال لكان لازما له رضا ما اختاره ، (٣) واستوجبوا به من الثواب ، ولم يكن عليهم فيما اجترموا العقاب(٤) إذ كان الاهمال واقعا ، وتنصرف هذه المقالة على معنيين : إما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة ، كره ذلك أم أحبه ، فقد لزمه الوهن ، أو يكون جل وتقدس عجز عن تعبدهم بالامر والنهي عن إرادته ، ففوض أمره ونهيه إليهم ، وأجراهما على محبتهم ، إذ عجز عن تعبدهم بالامر والنهي على إرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر والايمان ، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه ، ويعرف له فضل ولايته ، ويقف عند أمره ونهيه ، وادعى مالك العبد أنه قادر قاهر عزيز حكيم ، فأمر عبده ونهاه ، ووعده على اتباع أمره عظيم الثواب وأوعده على معصيته أليم العقاب فخالف العبد إرادة مالكه ، ولم يقف عند أمره ونهيه ، فأي أمر أمره به أو نهي نهاه عنه لم يأتمر على إرادة المولى بل كان العبد يتبع إرادة نفسه ، وبعثه في بعض حوائجه وفيها الحاجة له ، فصار العبد بغير تلك الحاجة
________________
(١) أهمله : تركه ولم يستعمله عمدا أو نسيانا.
(٢) في المصدر : وهذا الكلام دقيق. م
(٣) في المصدر : ما اختاروه واستوجبوا به الثواب. م
(٤) أى لم يكن عليهم فيما اكتسبوا العقاب.