الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد نحواً من خمس سنين ، حتّى توفّي شيخه الاُستاذ ليلة الجمعة لثلاث ليال خلون من شهر رمضان من سنة ٤١٣ فلازم بعده علم الهدى السيّد المرتضى ، واستفاد من عبقريّته في العلم والعمل نحواً من ثلاثة وعشرين سنةً ، وكان السيّد لما رأى فيه من النبوغ والتهيّؤ للتدرُّج إلى أقصى مراتب الفضيلة يدرُّ عليه في كلّ شهر إثنى عشر درهماً حتّى ارتحل السيّد إلى الملكوت العليا لخمس بقين من شهر ربيع الأوّل سنة ٤٣٦ فاستقلّ بعده بالإمامة والزعامة والإفادة والتدريس فشاع نبوغه في العلوم وتضلّعه في الفنون واعترف بفضله الشاهد والغائب ، فقصد إليه من شتّى النواحي رجالات نجعوا له ورضخوا لتعاليمه واختلف إلى منتدى تدريسه جماهير من فطاحل العلم والنظر ، فتخرّج من تحت منبره نوابغ وأفذاذ من علماء الكلام والحديث والفقه والتفسير وغيرها من العلوم الإسلاميّة ، وكان يبلغ عدّتهم إلى ثلاث مائة من مجتهدي الخاصّة ، ومن العامّة ما لا يحصى عددهم ، والكلّ يستفيد من عبقريّته ومن فضله المتدفّق ، ومن أنظاره الثاقبة ، معترفين بنبوغه وتضلّعه في العلوم الإسلاميّة واتّصافه بالأخلاق الفاضلة اللّازمة لكلّ من تولّى زعامة الدين ، ومن آية نبوغه وتضلّعه ونفسيّاته الكريمة أنّ القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله جعل له كرسيَّ الكلام والإفادة الّذي ما كانوا يسمعون به يوم ذاك إلّا لوحيد العصر المبرّز في علومه ومعارفه على معاصريه ، ولمن كانت له مكانة الاُستاذيّة والقدوة .
لم يفتأ شيخنا كذلك
في عاصمة العالم الإسلاميّ في ذلك اليوم « بغداد » مدّة اثنى عشرة سنة حتّى غادر بغداد للفتنة الواقعة بين الشيعة وأهل السنّة الّتي اُحرقت فيها داره وكتبه وكرسيُّ كان يجلس عليه للكلام . فهاجر ـ قدَّس الله سرَّه ـ
إلى النجف الأشرف فأسّس هنالك حول مرقد باب مدينة العلم حوزة العلم والعمل و الجامعة الكبرى للفضيلة والأدب ، وكان هنالك إثنى عشر عاماً يشتغل بالدراسة وتعليم
الاُمّة وتخريج التلمذة وتأليف الكتب حتّى قضى نحبه فيه في ليلة الإثنين ٢٢ شهر محرّم الحرام سنة ٤٦٠ عن ٧٥ سنة ، وتولّى غسله ودفنه الشيخ حسن بن المهديّ السليقيّ ، والشيخ أبو محمّد الحسن بن عبد الواحد العين زربيّ ، والشيخ أبو الحسن