من الإشعار بالتفيُّؤ والتحوُّل والانتقال أي الظلال المتفيّأَة المتحوِّلة . وقال الجوهريّ : اللّماظة بالضمّ : ما يبقى في الفم من الطعام ، ومنه قول الشاعر يصف الدنيا : لماظة أيّام كأحلام نائم .
أقول : لا يخفى حسن هذا التشبيه إذ كلّ ما يتيسَّر لك من الدنيا فهو لماظة من قد أكلها قبلك ، وانتفع بها غيرك أكثر من انتفاعك ، وترك فاسدها لك .
يا هشام إنَّ كلّ الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلّا من يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلّا من عمل بها .
بيان : لمّا كان من معظم الانتفاع بالنجوم معرفة الأوقات ، وجهة الطريق في الأسفار وأمثالها ولاتتمُّ معرفة تلك الاُمور إلّا بكثرة تعاهد النجوم لتعرّف مجاريها و منازلها ومطالعها ومغاربها ومقدار سيرها كذلك الحكمة لاينتفع بها الّا بكثرة تعاهدها واستعمالها لتعرّف فوائدها وآثارها . ودرس كنصر وضرب : قرأ .
يا هشام إنّ المسيح عليهالسلام قال للحواريّين : يا عبيد السوء يهوّلكم طول النخلة وتذكرون شوكها (١) ومؤونة مراقيها ، وتنسون طيب ثمرها ومرافقتها كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده ، وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها ، يا عبيد السوء نقّوا القمح وطيّبوه . وادقّوا طحنه تجدوا طعمه ، ويهنّئكم أكله ، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبّه . بحقّ أقول لكم : لو وجدتم سراجاً يتوقَّد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممّن وجدتموها معه ، ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها يا عبيد الدنيا بحقّ أقول لكم : لا تدركون شرف الآخرة إلّا بترك ما تحبّون ، فلا تنظروا بالتوبة غداً ، فانّ دون غد يوماً وليلةً ، وقضاء الله فيهما يغدو ويروح بحقّ أقول لكم : إنّ من ليس عليه دين من الناس أروح وأقلّ همّاً ممّن عليه الدين وإن أحسن القضاء ، وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح وأقلّ همّاً ممّن عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب ، وإنَّ صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد إبليس يحقّرها لكم ، ويصغّرها
________________________
(١) بفتح الشين وسكون الواو : ما يخرج من النبات شبيهاً بالابر .