في أعينكم ، فتجتمع وتكثر فتحيط بكم . بحقّ أقول لكم : إنَّ الناس في الحكمة رجلان فرجل أتقنها بقوله ، وصدّقها بفعله ، ورجل أتقنها بقوله ، وضيَّعها بسوء فعله ، فشتّان بينهما ، فطوبى (١) للعلماء بالفعل ، وويلٌ (٢) للعلماء بالقول . يا عبيد السوء اتّخذوا مساجد ربّكم سجوناً لأجسادكم وجباهكم ، واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى ، ولا تجعلوا قلوبكم مأوىً للشهوات إنَّ أجزعكم عند البلاء لأشدُّكم حبّاً للدنيا ، وإنّ أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا . يا عبيد السوء لا تكونوا شبيهاً بالحداء الخاطفة ولا بالثعالب الخادعة ، ولا بالذئاب الغادرة ، ولا بالاُسد العاتية ، كما تفعل بالفراس كذلك تفعلون بالناس : فريقاً تخطفون ، وفريقاً تخدعون ، وفريقاً تقدرون بهم . بحقّ أقول لكم : لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحاً ، وباطنه فاسداً كذلك لا تغني أجسادكم الّتي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم ، وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة ، لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيِّب ، ويمسك النخالة كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغلُّ (٣) في صدوركم . يا عبيد الدنيا إنّما مثلكم مثل السراج يضيىءُ للناس ويحرق نفسه . يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثّوا على الركب فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر .
بيان : عبيد السوء بالفتح وقد يُضمُّ السين ، ومنهم من منع الضمّ وهو من قبيل إضافة الموصوف الى الصفة كقولهم : حاتم الجود . ومؤونة مراقيها أي شدَّة الارتقاء عليها . ومُرافقتها من الرفق بمعنى اللطف والنفع ، ولعلّه كان مَرافقها على صيغة الجمع والضمير راجع إلى الثمر أو النخله . قوله : ماتفضون إليه من قولهم : أفضى إليه أي وصل . ونورها بضمّ النون وفتحها . والقَمح بالفتح : لبرّ . ويهنؤكم مهموزاً بفتح
________________________
(١) الطوبى : الغبطة والسعادة ، الخير والخيرة ، هي فعلى من الطيب قلبوا الياء واواً للضمة قبلها ، يقال : طوبى لك وطوباك بالاضافة .
(٢) الويل : حلول الشر ، الهلاك . ويدعى به لمن وقع في هلكة يستحقها .
(٣) الغل بكسر الغين : الحقد والغش .