قوله عليهالسلام : من كان قوله لفعله مصدّقاً على صيغة إسم الفاعل أي ينبغي أن يأتي أوَّلاً بما يأمره ، ثمَّ يأمر غيره ليكون قوله مصدّقاً لما يفعله ويمكن أن يقرأ على صيغة المفعول . قوله عليهالسلام : لأنَّ الله الخ أي العقل أمر مخفيٌّ في الإنسان لا يعرف وجوده في شخص إلّا بما يظهر على الجوارح من آثاره والأفعال الحسنة الناشئة عنه ، ويمكن أن يكون المراد بالعقل المعرفة .
يا هشام كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : ما من شيء عبد الله به أفضل من العقل وما تمَّ عقل امرؤٌ حتّى يكون فيه خصال شتّى : الكفر والشرّ منه مأمونان ، والرشد والخير منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، ونصيبه من الدنيا القوت ، ولا يشبع من العلم دهره ، الذلّ أحبُّ إليه مع الله من العزّ مع غيره (١) والتواضع أحبُّ إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ويستقلُّ كثير المعروف من نفسه ويرى الناس كلّهم خيراً منه ، وأنّه شرُّهم في نفسه ، وهو تمام الأمر .
بيان : دهره أي في تمام دهره وعمره . الذلُّ أحبُّ إليه المراد الذلُّ والعزُّ الدنيويّان أو ذلُّ النفس وعزُّها وترفّعها . وهو تمام الأمر أي كلّ أمر من اُمور الدين يتمُّ به ، أو كأنّه جميع اُمور الدين مبالغةً (٢) والمراد بالكفر جميع أنواعه على ما سيأتي تفسيره في موضعه إن شاء الله تعالى .
يا هشام من صدق لسانه زكا عمله ، ومن حسنت نيّته زيد في رزقه ، ومن حسن برُّه بإخوانه وأهله مدَّ في عمره .
بيان : نيّته أي عزمه على المبرّات والخيرات ، أو المراد الإخلاص في أعماله الحسنة .
يا هشام لا تمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم .
________________________
(١) لعل المراد أن العاقل إذا يرى أن المماشاة مع الناس وذهابه مذهبهم توجب رفعة قدره و عظم شأنه بينهم وبعده عن الحق وأن الاخذ بالديانة وسلوكه سبيل الحق يوجب المذلة بينهم يختار المذلة عند الناس مع كونه عند الله عزيزا على عزته بينهم وبعده عنه تعالى ، أو أن ذل نفسه بأخذه زمامها وبردعها عن مشتهياتها أحب إليه من عز نفسه بارساله عنانها وبانجاح حوائجها وآمالها .
(٢) والظاهر أن المراد به تمام ذلة النفس وفقرها وهو آخر درجات الايمان وتمام عقل المرء وبه يتم أمره كما جاء منصوصاً عليه في بعض الاحاديث .