بيان : بالدون من الدنيا أي القليل واليسير منها مع الحكمة الكثيرة ، ولم يرض بالقليل من الحكمة مع الدنيا الكثيرة .
يا هشام إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك .
يا هشام إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب ؟ وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض .
يا هشام إنَّ العقلاء زهدوا في الدنيا ، ورغبوا في الآخرة ، لأنّهم علموا أنَّ الدنيا طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته .
بيان : في الكافي : إنّ الدنيا طالبة مطلوبة والآخرة طالبة ومطلوبة ، والدنيا طالبة للمرء لأن يوصل إليه ما عندها من الرزق المقدّر ، ومطلوبة يطلبها الحريص طلباً للزيادة ، والآخرة طالبة تطلبه لتوصل إليه أجله المقدّر ، ومطلوبة يطلبها الطالب للسعادات الاُخرويّة بالأعمال الصالحة .
يا هشام من أراد الغنى بلا مال ، وراحة القلب من الحسد ، والسلامة في الدين فليتضرَّع إلى الله في مسألته ، بأن يكمل عقله ، فمن عقل قنع بما يكفيه ، ومن قنع بما يكفيه استغنى ، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبداً .
يا هشام إنَّ الله جلَّ وعزَّ حكى عن قوم صالحين أنّهم قالوا : رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (١) . حين علموا أنَّ القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها . إنّه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصّرها ولم يجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدّقاً وسرُّه لعلانيته موافقاً لأنَّ الله لايدلُّ على الباطن الخفيّ من العقل إلّا بظاهر منه وناطق عنه .
بيان : الزيغ : الميل والعدول عن الحقّ ، ورداها : أي هلاكها وضلالها .
________________________
(١) آل عمران : ٨