اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها (١) ورغب فيما عند ربّه ، وكان اُنسه في الوحشة ، و صاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ، ومعزّه في غير عشيرة .
بيان : عقل عن الله ، أي حصل له معرفة ذاته وصفاته وأحكامه وشرائعه ، أو أعطاه الله العقل ، أو علم الاُمور بعلم ينتهى إلى الله بأن أخذه عن أنبياءه وحججه ، إمّا بلا واسطة ، أو بلغ عقله إلى درجة يفيض الله علومه عليه بغير تعليم بشر . وغناه أي مغنيه ، أو كما أنَّ أهل الدنيا غناهم بالمال هو غناه بالله وقربه ومناجاته . والعيلة : الفقر . وفي الكافي : من غير عشيرة . وهي القبيلة والرهط (٢) الأدنون .
يا هشام نصب الخلق لطاعة الله ، ولا نجاة إلّا بالطاعة ، والطاعة بالعلم ، والعلم بالتعلّم ، والتعلّم بالعقل يعتقد ، ولا علم إلّا من عالم ربّانيّ ، ومعرفة العالم بالعقل .
بيان : في الكافي : نصب الحقّ . ونصب إمّا مصدر ، أو فعل مجهول أي إنّما نصب الله الخلق أو الحقّ والدين ، بإرسال الرسل وإنزال الكتب ليطاع في أوامره ونواهيه . والتعلّم بالعقل يعتقد أي يشتدُّ ويستحكم ، أو من الاعتقاد بمعنى التصديق والإذعان . و معرفة العالم وفي الكافي : ومعرفة العلم . أي علم العالم ، وما هنا أظهر ، والغرض أنَّ احتياج العلم إلى العقل من جهتين : لفهم ما يلقيه العالم ، ولمعرفة العالم الّذي ينبغي أخذ العلم عنه .
يا هشام قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود .
بيان : في الكافي من العالم .
يا هشام إنَّ العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم .
________________________
(١) العزلة عن أهل الدنيا والراغبين فيها والمنهمكين في لذاتها ومن يصد المرء عن بلوغ رشده ونهاء سعادته ممدوحة ، وأما العزلة عن أهل الدين وجماعة المسلمين وعمن يحصل بمصاحبته بصيرة في أمر الدين ورغبة فيما عند الله من النعيم ، فمذمومة شرعا وعقلا .
(٢) الرهط بفتح الراء : قوم الرجل وقبيلته . عدد يجمع من الثلاثة إلى العشرة ، وليس فيهم امرأة