سبحانه : ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) (١) ، اَلاَ ترى إلى الأشعري كيف يعتقد بصحّة عقائده ، والمعتزلي يحكم بضلالتها ، والمتفلسفي يجزم بأنّ الحقّ معه ، والمتشرّع يقطع ببطلان مذهبه ويكفّره ؟ ! وكذلك سائر فِرَق الشيعة والسنّة ، مع وضوح أنّ الحقّ واحد وخلافه باطل ؛ ضرورة امتناع صحّة المتناقضين معاً ، فلولا ما ذكرناه من علّة الاعتياد ، مع ما سيأتي من أسباب التخالف والعناد ، لما حصل النزاع والاختلاف ، ولا مال أحد عن طريق الانصاف .
ولا يخفى أنّ هذا عمدة أسباب ما ذمّه اللّه عزوجل من الحميّة الجاهليّة ، وما لم يترك الإنسان هذه الحالة ولم يجعل الطرفين متساويين عند إرادة التحقيق في المسائل الخلافيّة ، لم يمكنه تحقيق الحقّ ، سواء كان سنّيّاً أو شيعيّاً أو غيرهما ، فيجب على كلّ من يريد الحقّ أن يبذل أوّلاً جهده في استخلاص نفسه عن هذه الحالة ، كما سيأتي في الفصل الآتي ؛ لأنّ العادات قاهرات ، وقد امتحن اللّه عباده بذلك حتّى يميز الخبيث من الطيّب ، ويكون المجاهد في سلب هذه الحالة مستحقّاً للأجر العظيم ، والخلاص من نار الجحيم ؛ لأنّه أحد أفراد الجهاد الأكبر الذي فسّره رسول اللّه صلىاللهعليهوآله حيث قال : «هو جهاد النفس التي بين الجنبين» (٢) ، وقد قال عليّ عليهالسلام : (٣) . «الناس ثلاثة : فعالم ربّانيّ ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم
__________________
(١) سورة الكهف ١٨ : ٢٨ .
(٢) الأمالي للصدوق : ٥٥٣ / ٧٤٠ ، معاني الأخبار : ١٦٠ وفيها نحوه .
(٣) إلى هنا سقط من نسخة «م» ، انظر صفحة ١٤٢ هامش «١» .