متّكلاً في ذلك بهداية ربّ الأرباب بقلبٍ صافٍ عن شوب الاعتماد في الاعتقاد على ما رسخ في ذهنه بسبب ما ذكر من الاعتياد ، فهذا هو الذي يأتي في الفصل الآتي أنّه من أهل الاهتداء ، ومن يُرجى له النجاة من مرديات الأهواء ، وأنّهم الأقلّون عدداً ، والأعظمون قدراً ، كما سيظهر فيما بعد كمال الظهور .
وإمّا أنّه ممّن يبقى على حالته الاُولى بحيث لو راجع أيضاً لا يرجع بخير ؛ لما في قلبه من شوب الاعتماد على ما رسخ في ذهنه من الاعتياد ، كما هو حال أكثر المشاهير ، وجمهور الجماهير ، فمثل هذا كالمقلّد وإن عُدّ كاملاً ، وكالجاهل وإن عُدّ عالماً ، وكلّما ازداد فكراً وخيالاً زاد ـ إن كان على الخطأ ـ بُعْداً وضلالاً .
قال ابن عباس (١) : الضلالة لها حلاوة في قلوب أهلها (٢) .
قال اللّه تعالى : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ) (٣) .
وقال سبحانه : ( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) (٤) .
وكفى في هذا ما يرى في أصناف العلماء من بقاء كلٍّ منهم على تحسين فنٍّ نشأ عليه ومارسه ، وتحصين علم اعتاد عليه وماهر فيه ؛ لأنّ كلّ إنسان يخوض فيما أحبّ ويدفع ما لا يوافق محبوبه ؛ ولهذا قال اللّه
__________________
(١) هو عبداللّه بن عباس بن عبد المطلب ، يكنّى أبا العباس ، من العلماء بالفقه والحديث والتفسير في صدر الإسلام ، وهو ابن عم النبيّ صلىاللهعليهوآله ، له كتب منها : تفسير القرآن ، وغريب القرآن ، ولغة القرآن ، ولد بمكة ونشأ بها ، وتوفّي سنة ٦٨ هـ .
انظر : وفيات الأعيان ٣ : ٦٢ / ٣٣٨ ، طبقات المفسّرين لنويهض ١ : ٣١٠ ، شذرات الذهب ١ : ٧٥ .
(٢) دفع الشُبهة عن الرسول والرسالة لتقي الدين الحصيني : ٦٤ .
(٣) سورة فاطر ٣٥ : ٨ .
(٤) سورة البقرة ٢ : ٩٣ .