الرضا بذلك ـ كما تبيّن ممّا مرّ ـ حتّى أنّ الشيطان طلبه بلسان المقال ، حيث ( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١) .
وحاصل المرام : أنّ اللّه تعالى لمّا خلق الدنيا والآخرة ، وجعلهما متباينتين ؛ حيث جعل الاُولى فانية دنيئة مشتملة على بلايا ومتاعب ومشاقّ التكليفات وغيرها ؛ إذ لم يخلقها إلاّ لأجل أن يوصل بها إلى استحقاق نعيم الآخرة التي جعلها دار الالتذاذ والبقاء والراحة ؛ ولهذا أبغض الدنيا وزخارفها ، ومن اغترّ بها وأرادها ورجّجها على ما اختار اللّه له من دار الآخرة ؛ إذ ذلك عين المضادّة مع اللّه عزوجل ، المستلزمة لاستحقاق العذاب والنكال ، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ومن ثمّ اقتضى عدله وكرمه أن لا يحرم هؤلاء عمّا أرادوا فأعطاهم منها على وفق حكمته كما بيّنّا ، وجعل في العوض زيادة العذاب على حسب ذلك ، لكن مع تبيان ذلك لهم ليُتمّ الحجّة عليهم ، وفي مقابل ذلك خصّ أولياءه الذين قبلوا قوله ، واختاروا ما اختاره لهم من الآخرة بالبلايا فيها والمتاعب والمصائب ؛ ليستحقوا بذلك زيادة الأجر والثواب .
فافهم هذا وتأمّل جدّاً ، حتّى تعلم أنّ توجّه الدنيا إلى الإنسان علامة بغض الرحمن ، وعكسه بالعكس ، فتجعل هذا من قرائن تمييز الخبيث من الطيب ، مع عدم الغفلة عن كون الدنيا الموصلة إلى خير الآخرة من غير هذا الباب ، وأنّ مناط تمييز المهلكة والمنجية ملاحظة هذا الإيصال ، وتمام انكشاف ما نحن فيه في ضمن نقل الآيات والروايات ، فلنذكر نبذاً منها :
قال اللّه عزوجل وتعالى : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي
__________________
(١) سورة الحجر ١٥ : ٣٦ ، وسورة ص ٣٨ : ٧٩ .