الفصل الثالث
في بيان قلّة أهل الحقّ والخير ، وأصحاب الإيمان واليقين ، وكثرة أهل الجهالة والبطالة المائلين إلى خلاف ما عليه أهل الدين ، وكون عامّة الناس مع الدنيا وأهلها كيف ما قالت وأينما مالت ، بحيث يتوهّم الجاهل أنّ ذلك هو الحقّ المتين (١) ، بل يعدّ أهل الدين من الجاهلين ، مع توضيح كون أصل الكثرة واجتماع العامّة من علائم البطالة والضلالة ، كما أنّ عكسه علامة الحقّيّة والهداية .
اعلم ، أنّه بعد ما بيّنّاه سابقاً من ميل الطبائع إلى زخارف الدنيا ومتابعة الهوى وأمثال ذلك ممّا مرّ في البابين الأوّلين ، لا تبقى شبهة في صحّة ما ذكرناه هاهنا ، مع كونه معلوماً في نفسه ، محسوساً في جميع أوقاته ، كما ينادي بذلك ما ثبت نقله من أحوال كلّ نبيّ وأهل عصره وملوك وقته ، بل إنّ هذا أمر مطّرد من زمان آدم إلى عصر الخاتم وهلمّ جرّاً ، بحيث صار من علائم الفرق بين الحقّ والباطل .
وكفى في هذا حكاية اتّفاق عامّة قوم موسى عليهالسلام على متابعة السامريّ ومناقضة هارون في مثل عبادة العجل ، وترجيحها على عبادة اللّه عزوجل ، مع أنّ كلّ مدّة تخلّف موسى عنهم لم تكن إلاّ عشرة أيام ، وغيبته
__________________
(١) في «ن» : المبين .