وحينما تم توحيد المصحف على الشكل المقرر استنسخ عثمان منه عدة مصاحف أرسل بها إلى الأمصار.
واختلف في عدة هذه المصاحف ، فقيل أربعة ، والمشهور أنها خمسة (١) وأخرج أبو داود عن أبي حاتم السجستاني : أنها سبعة مصاحف ، فأرسل إلى مكة وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة ، وحبس بالمدينة واحداً » (٢).
وهذا العدد أوعى في توحيد القراءة لاستيعابه كبريات الآفاق الإسلامية آنذاك ، فيما دامت المهمة بهذا الاتجاه ، فالأنسب التوسع في استنساخ جملة من المصاحف تؤدي الهدف بعناية شمولية.
وأيا كان عدد هذه المصاحف ، فقد كانت الأساس لاستنساخ آلاف المصاحف في الديار المترامية الأطراف ، موحدة منظمة مؤصلة ، اشتملت على القرآن بجزئياته وحيثياته كافة ، دون زيادة أو نقصان ، أو تغيير أو تحريف ، بل هي من الوثوق بكونها عين القرآن الذي أنزل على الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم بجميع خصوصياته في التنزيل والترتيب والتوقيف.
وليس أدل على ذلك من شهادة أعلام المستشرقين في تأكيد هذه الحقيقة العلمية مع إبتعادهم عن كثير من ضروريات الإسلام ، ولكنه الحق الذي يفرض ذاتيته وموضوعيته في أغلب الأحيان.
قال السير وليم موير : « أن المصحف الذي جمعه عثمان قد تواتر انتقاله من يد ليد حتى وصل إلينا بدون أي تحريف. ولقد حفظ بعناية شديدة بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر ، بل نستطيع أن نقول إنه لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها والمتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة » (٣).
ولم يكن اختلاف المسلمين في الفروع والجزئيات مانعا من إجماعهم
__________________
(١) ظ : السيوطي ، الاتقان : ١ / ١٧٢.
(٢) ظ : ابن داود ، المصاحف : ٣٤.
(٣) محمد عبد الله دراز ، المدخل إلى القرآن : الكريم : ٤٠ وانظر مصدره.