وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل عليهالسلام إياه على ذلك ، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السورة التي يذكر فيها كذا ، وروي معنى هذا عن عثمان بالذات (١).
قال الحارث بن أسد المحاسبي ( ت : ٢٤٣ ه ) :
« والمشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان رضي الله منه ، وليس كذلك ، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات والقرآن. وأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن » (٢).
وفي عقيدتي أن أهم الأعمال التي قام بها عثمان هو جمع الناس على حرف واحد ، فقد قطع به دابر الفتنة والخلاف ، وفيه جرأة كبيرة تحدى بها كثيراً من الصعوبات.
يقول الدكتور طه حسين :
« وليس من شك في أن ما أقدم عليه عثمان من توحيد المصحف وحسم هذا الاختلاف ، وحمل المسلمين على حرف واحد ، أو لغة واحدة يقرؤون بها القرآن ، عمل فيه كثير من الجراءة ، ولكن فيه من النصح للمسلمين أكثر مما فيه من الجراءة. فلو قد ترك عثمان الناس يقرؤون القرآن قراءات مختلفة بلغات متباينة في ألفاظها ، لكان هذا مصدر فرقة لا شك فيها ، ولكان من المحقق أن هذه الفرقة حول الألفاظ ستؤدي إلى فرقة شر منها حول المعاني بعد أن كان الفتح ، وبعد أن استعرب الأعاجم ، وبعد أن أخذ الأعراب يقرؤون القرآن » (٣).
__________________
(١) أبو شامة ، المرشد الوجيز.
(٢) الزركشي ، البرهان : ٩ / ٢٣٩ + السيوطي ، الاتقان : ١ / ١٧١.
(٣) طه حسين ، الفتنة الكبرى : ١ / ١٨٢ وما بعدها.