وصيانته ، فحفظ القرآن من آوله إلى آخره على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » (١).
الثالث : موقف الزركشي المتردد بين السلب والإيجاب فيما رد به توهم بعض الناس أن القرآن لم يجمع بعهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متبينا رأي الحارث المحاسبي بقوله : وفي قول زيد بن ثابت : فجمعته من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال ما أوهم بعض الناس أن أحدا لم يجمع القرآن في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأن من قال : إنه جمع القرآن أُبيّ بن كعب وزيد ليس بمحفوظ. وليس الأمر على ما أوهم ، وإنما طلب القرآن متفرقا ليعارض بالمجتمع عند من بقي ممن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع فلا نصيب أحد عنده منه شيء ، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف ، ولا يشكو في أنه جمع عن ملأ منهم » (٢).
وفي ضوء ما تقدم يجب أن ندع التشريق والتغريب جانبا ، في قضية جمع القرآن ، وأن نخضع للواقع الموضوعي والجرأة العلمية فنقول إن القرآن جمع ودوّن كاملاً بكل حيثياته وجزئياته في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبأمر من الوحي ، وبإشارة من القرآن نفسه ، ما دام هناك أثر قطعي من كتاب أو سنة أو عقل أو جماع ، فلا نركن إلى روايات آحاد لا تبلغ حد الشهرة فضلاً عن التواتر الذي لا يثبت القرآن إلا به بإجماع المسلمين ، وأن نعتبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مسؤولا أمام الوحي عن جمع القرآن وتدوينه ، كمسؤوليته عن نشره وتبليغه ، وفيما قدمناه من دلائل وبراهين وروايات إثبات لما نتبناه.
نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه ، لا بمعنى أنه جمع الآيات والسور في مصحف ، بل بمعنى أنه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد ، وأحرق المصاحف الأخرى التي تخالف مصحفه ، وكتب إلى البلدان أن يحرقوا ما عندهم منها ، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة (٣).
__________________
(١) مقدمتان في علوم القرآن : ٥٨.
(٢) الزركشي ، البرهان : ١ / ٢٣٨.
(٣) ظ : الخوئي ، البيان : ٢٥٨.