( لقد جاءكُمْ رسولٌ من أنفسكُمْ ... (١٢٨) ) (١) وغيرها وغيرها (٢).
فلا يصح حينئذ عد آيات القرآن في أماكنها من السور ، ولا السور من المصحف توقيفياً ، وإنما هو باجتهاد من الصحابة ، كما تدل عليه تضافر روايات الجمع في ذلك ، وإذا قلنا بتوقيف الآيات في السور ، والسور من المصحف ، فلا بد أن نقول إن القرآن قد جمع على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو ما نميل إليه ونرجحه في ضوء ما تقدم.
قال البيهقي : وأحسن ما يحتج به أن يقال : إن هذا التأليف لكتاب الله مأخوذ من جهة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخذه عن جبرائيل عليهالسلام (٣).
وهناك ثلاثة مواقف تجلب الانتباه عند جملة من أرباب علوم القرآن ، فهي تقدم رجلاً وتؤخر أخرى ، فلا تريد أن تقول إن القرآن لم يجمع بعهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا تريد أن تقول إن أبا بكر قد جمع القرآن سابقاً إلى الموضوع.
الأول : عملية الاستنساخ التي صرح بها أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي ( ت : ٢٤٣ ه ) بقوله : « كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يأمر بكتابته ، ولكنه كان مفرقاً في الرقاع والأكتاف والعسب ، وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان ، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها القرآن منتشر ، فجمعها جامع ، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء » (٤).
الثاني : ما ورد في المقدمة الأولى في علوم القرآن بإجمال على شكل فتوى تارة ، وتحذير تارة أخرى ، في قوله : « ومن زعم أن بعض القرآن سقط على المسلمين وقت جمع المصحف ، وأن السور ضم بعضها إلى بعض بالمشورة والرأي فقد أعظم على الله الفرية ، لأن الرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يملي كلما نزل من القرآن على كتابه أولاً بأول ، ميلا إلى حفظه
__________________
(١) التوبة : ١٢٨.
(٢) ابن أبي داود ، المصاحف : ٣١.
(٣) السوطي ، الاتقان : ١ / ٣٠٩.
(٤) الزركشي ، البرهان : ١ / ٢٣٨.