ج ـ إنه كان ينزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ما يحتاج إليه في تلك السنة جملة واحدة ، ثم ينزل على مواقع النجوم إرسالا في الشهور والأيام. وهو رأي إبن عباس (١).
إلا أن ظاهر الآيات : أنزل القرآن جملة ، ويؤيده التعبير بالإنزال الظاهر في اعتبار الدفعة ، دون التنزيل الظاهر في التدرج ، فمدلول الآيات أن للقرآن نزولاً جملياً على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم غير نزوله التدريجي الذي تم في ثلاث وعشرين سنة (٢).
لقد أكد هذا المعنى من ذي قبل إبن عباس بقوله : « إنه أنزل في رمضان ، وفي ليلة القدر ، وفي ليلة مباركة ، جملة واحدة ، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام » (٣).
ومهما يكن من أمر ، فلا ريب بنزوله مفرقاً أو منجماً ، ليثبت إعجازه في كل اللحظات ، ولينضح بتعليماته بشتى الظروف ، في حين يعترض فيه الكفرة على هذا النزول : ( وقالَ الذينَ كفرُوا لولا نُزّلَ عليه القرءانُ جملةً واحدةً كذلك لنثبِّتَ به فؤادكَ ورتَّلناهُ ترتيلاً (٣٢) ) (٤).
ولكن الرد كان حاسماً ، لأن الوحي إذا تجدد في كل حادثة ، كان اقوى للعزم ، وأثبت للفؤاد ، وأدعى للحفظ والاستظهار ، وأشد عناية بالمرسل إليه فلا يغيب عنه إلا ويهبط عليه ، ولا يودعه حتى يستقبله ، وذلك يستلزم كثرة نزول الملك عليه وتجديد العهد به ، وبما معه من الرسالة ، وهو مضافاً إلى العطاء الروحي ، ذو عطاء نفسي تهذيبي بالنسبة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم « ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة نزول جبرئيل عليهالسلام عليه فيه » (٥).
__________________
(١) ظ : الطبرسي ، مجمع البيان : ١ / ٢٧٦.
(٢) ظ : الطباطبائي ، الميزان : ٢٠ / ٣٣٠.
(٣) البيهقي ، كتاب الأسماء والصفات : ٢٣٦.
(٤) الفرقان : ٣٢.
(٥) ظ : أبو شامة ، المرشد الوجيز : ٢٨.