وقد يتوجّه بمن له جاه إلى من هو أعلى منه ، و إذا جاز التوسّل بالأعمال الصالحة كما في صحيح البخاري في حديث الثلاثة الذين آووا إلى غار فأطبق عليهم فتوسّل كلّ واحد منهم إلى اللَّه تعالى بأرجى عمل له فانفجرت الصخرة التي سدّت الغار عليهم (١) ، فالتوسل به صلىاللهعليهوآله أحقّ وأولى لما فيه من النبوّة والفضائل سواء كان ذلك في حياته أو بعد وفاته ، فالمؤمن إذا توسّل به إنّما يريد نبوّته التي جمعت الكمالات ، وهؤلاء المانعون للتوسّل يقولون : يجوز التوسّل بالأعمال الصالحة مع كونها أعراضاً ، فالذوات الفاضلة أولى فإنّ عمر توسّل بالعبّاس رضياللهعنه (٢) .
وأيضاً لو سلّمنا لهم ذلك فنقول لهم : إذا جاز التوسّل بالأعمال الصالحة فما المانع من جوازه بالنبي صلىاللهعليهوآله باعتبار ما قام به من النبوّة والرسالة والكمالات التي فاقت كلّ كمال وعظمت على كلّ عمل صالح في الحال والمآل ، مع ما ثبت من الأحاديث الدالّة على ذلك ، وعلى الإذن فيه ، ومثله سائر الأنبياء والمرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين ، وكذا الأولياء وعباد اللَّه الصالحين لما فيهم من الطهارة القدسيّة ومحبّة ربّ البريّة وحيازة أعلى مراتب الطاعة واليقين والمعرفة للَّه ربّ العالمين ، وذلك كلّه سبب لكونهم من عباد اللَّه المقرّبين ، فيقضي سبحانه وتعالى بالتوسّل بهم حوائج المؤمنين (٣) .
ثمّ ذكر من أدلّة جواز التوسّل : قصّة سواد بن قارب و إنشاده
__________________
(١) صحيح البخاري ٣ ک ١٩٣ ب ٣١٣ ح ٥٠٨ .
(٢) كما مرّ في ص : ٢١٣ .
(٣) خلاصة الكلام في بيان اُمراء البلد الحرام : ٣٣٣ .