بشيء حاصل بنفسه عادة لغوا وطلبا للحاصل لا محالة وكذا النهي عن شيء متروك بنفسه لغو مستهجن بشهادة الوجدان.
وهذا بخلاف الأوامر والنواهي الشرعية فإنّ الغرض منها ليس مجرد تحقّق الفعل والترك خارجا بل الغرض صدور الفعل استنادا إلى أمر المولى وكون الترك مستندا إلى نهيه ليحصل لهم بذلك الكمال النفساني كما اشير إليه بقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) ولا فرق في هذه الجهة بين التعبدي والتوصلي لما ذكرناه في مبحث التعبدي والتوصلي من أنّ الغرض من الأمر والنهي في كليهما هو الاستناد في الأفعال والتروك إلى أمر المولى ونهيه بحيث يكون العبد متحركا تكوينا بتحريكه التشريعي وساكنا كذلك بتوقيفه التشريعي ليحصل لهم بذلك الترقي والتكميل النفساني إنّما الفرق بينهما في أنّ الملاك أيّ المصلحة في متعلّق الأمر والمفسدة في متعلّق النهي لو توقف حصوله على قصد القربة فهو تعبدي وإلّا فهو توصلي ومع كون الغرض من التكليف الشرعي هو الفعل المستند إلى أمر المولى والترك المستند إلى نهيه لا مجرد الفعل والترك لا قبح في الأمر بشيء حاصل عادة بنفسه ولا في النهي عن شيء متروك بنفسه إذ ليس الغرض مجرد الفعل والترك حتّى يكون الأمر والنهي لغوا وطلبا للحاصل.
ويشهد بذلك وقوع الأمر في الشريعة المقدسة بأشياء تكون حاصلة بنفسها عادة كحفظ النفس والانفاق على الأولاد والزوجة وكذا وقوع النهي عن أشياء متروكة بنفسها كالزنا بالأمهات وأكل القاذورات ونحو ذلك ممّا هو كثير جدا (١).
لأنّا نقول : أوّلا : إنّ قوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) لا إطلاق له بالنسبة إلى التوصليات خصوصا النواهي التي تكون خارجة عن محلّ الابتلاء لأنّ موضوعه هو الأوامر.
وثانيا : أنّ الغرض لزم أن يكون متناسبا مع الخطاب فإذا كان الخطاب خطابا الزاميا
__________________
(١) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٣٩٥.