ودعوى : إمكان ورود القاعدتين في عرض واحد كما ترى إذ مع العلم الإجمالي لا موضوع للبراءة العقلية حتّى يمكن فرض ورودها في عرض قاعدة حكم العقل بالتخيير ثمّ إنّ الاضطرار ليس إلى عنوان أحدهما لعدم خصوصية هذا العنوان بل الاضطرار إلى معنون هذا العنوان وهو الفعل والترك وعليه فيتحد مجرى الاضطرار ومجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلا تغفل.
وممّا ذكر يظهر ما في مباحث الحجج من أنّ المدعى اجراء البراءة (بعد الفراغ عن عدم منجزية العلم الإجمالي عن احتمال الوجوب أو الحرمة في نفسه) كما لو لم يكن علم اجمالي بالإلزام فتنطبق البراءة العقلية لاثبات التأمين من ناحيته فهذا ملاك تام في نفسه ولو كان ملاك الاضطرار الذي يسقط العلم الإجمالي عن البيانية تاما أيضا فما ينفى بالبراءة العقلية غير ما ينفى بملاك الاضطرار وعدم امكان ادانة العاجز عن الوظيفة العملية (١).
وذلك لما عرفت من تقدم رتبة حكم العقل بالتخيير وإلّا فلا مجال لدعوى الفراغ عن عدم منجزية العلم الإجمالي فمع تقدم رتبة حكم العقل يكون التأمين حاصلا فلا حاجة إلى تحصيله من ناحية البراءة العقلية وقاعدة البراءة العقلية تكون في طول حكم العقل بالتخيير لا في عرضه حتّى يقال ملاك كلّ واحد منهما تام ولا تزاحم بينهما فلا تغفل.
الأمر الثالث : هو الاستدلال بعموم أدلة البراءة الشرعية مثل قوله صلىاللهعليهوآله «رفع عن امتي ما لا يعلمون» بدعوى أنّه يعم الطرفين إذ المرفوع هو ما كان وجوده ثقلا على الامة والوجوب أو الحرمة ممّا يثقل على الامة وهكذا المرفوع هو ما كان مصداقا لما لا يعلمون وكلّ واحد من الوجوب أو الحرمة مصداق لما لا يعلمون لأنّ كلّ واحد من الوجوب والحرمة غير معلوم والمجعول في الشرع هو خصوص الوجوب أو الحرمة لا الجامع بينهما وعليه فاطلاق الموصول في ما لا يعلمون يعم كلّ واحد من المحتملين ويحكم برفع كليهما.
وفيه أوّلا : أنّ العلم الإجمالي متعلّق بالوجوب أو الحرمة لعدم موضوعية عنوان أحدهما
__________________
(١) مباحث الحجج / ج ٢ ، ص ١٥٥.