ولكن التحقيق مع ذلك : (١) عدم اعتبارها فيما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال ، وهو اجتماع الحكمين المتضادين ، وعدم الجدوى في كون موردهما موجها بوجهين في دفع «رفع» غائلة اجتماع الضدين ، أو عدم لزومه ، وأن تعدد الوجه يجدي في دفعها ، ولا يتفاوت في ذلك أصلا وجود المندوحة وعدمها ، ولزوم التكليف بالمحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع.
______________________________________________________
انحصار المكان في الغصب ، كما أشار إليه بقوله : «وبدونها يلزم التكليف بالمحال» لعدم قدرة المكلف على الفعل والترك معا.
فالمتحصل : أن محل الخلاف بين الأصوليين في جواز الاجتماع ، وامتناعه إنما هو في المورد الذي يكون المكلف قادرا في مقام الامتثال على الإتيان بالصلاة خارج الدار المغصوبة ؛ بأن دخلها بسوء اختياره لا بالاضطرار.
وأما إذا لم تكن المندوحة للمكلف ، وانحصر المكان في الدار المغصوبة ؛ بأن دخلها بالاضطرار ؛ فلا بدّ من القول بالامتناع بلا خلاف أصلا ، وإلّا لزم التكليف بالمحال ؛ لأنه لا يتمكن من إتيان الصلاة الصحيحة في الدار المغصوبة ، بحيث يوجب قربا للمولى ، فيكون هذا نظير الأمر بالطيران في كونه تكليفا بغير المقدور ؛ وهو باطل عند العدلية.
ثم الذي أخذ قيد المندوحة صريحا في محل النزاع هو : صاحب الفصول حيث قال ما هذا لفظه : «وإن اختلفت الجهتان ، وكان للمكلف مندوحة في الامتثال فهو موضع النزاع ، ومن ترك قيد الأخير فقد اتكل على الوضوح لظهور اعتباره». «الفصول الغروية ، ص ١٢٤».
(١) أي : مع لزوم التكليف بالمحال لو لا المندوحة «عدم اعتبارها» يعني : عدم اعتبار المندوحة «فيما هو المهم في محل النزاع» ؛ إذ لا أثر لها فيما هو المهم ، فإن المهم في هذا الباب هو أنه هل يرتفع التضاد بين الأمر والنهي بتعدد الجهة أم لا؟
وبعبارة أخرى : أن المهم في المقام هو : بيان أنه هل يلزم اجتماع الحكمين المتضادين الذي هو محال ، أو لا يلزم المحال؟
وعمدته معرفة أن تعدد الوجه هل يجدي في تعدد ذي الوجه فلا يلزم المحال ، أو لا يجدي فيلزم المحال؟
ومن الواضح : أن هذا المعنى لا يختلف الحال فيه بين وجود المندوحة ، وعدم وجودها ، نعم ؛ وجود المندوحة دخيل في الحكم الفعلي بالجواز عند من يرى امتناع التكليف بالمحال.