إن قلت : هبه (١) في مثل ما إذا كان للأكثر وجود واحد ، لم يكن للأقل في ضمنه وجود على حدة ، كالخط الطويل الذي رسم دفعة بلا تخلل سكون في البين ، لكنّه ممنوع فيما كان له في ضمنه وجود ، كتسبيحة في ضمن تسبيحات ثلاث ، أو خط طويل رسم مع تخلّل العدم في رسمه ؛ فإن الأقل قد وجد بحدّه ، وبه يحصل الغرض على الفرض.
ومعه (٢) لا محالة يكون الزائد عليه مما لا دخل في حصوله ، فيكون زائدا على الواجب ، لا من أجزائه.
______________________________________________________
من وجوب أحدهما تخييرا ؛ إذ الإيجاب التعييني ترجيح بلا مرجح ، إلّا إن يقال : إن هذا التخيير وإن كان صحيحا إلّا إنه أجنبي عن التخيير المبحوث عنه وهو الأقل والأكثر ، ومندرج في التخيير بين المتباينين لمباينة الماهية بشرط شيء وهو الأكثر ؛ للماهية بشرط لا وهو الأقل.
(١) كلمة «هب» اسم فعل أمر جامد «لا ماضي له ولا مضارع» ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ، والهاء مفعوله الأول ، ومفعوله الثاني : هو قوله : «في مثل ما إذا كان ...» إلخ ، لأن الجار والمجرور مفعول بالواسطة ، وهي : ضمنت معنى جعل ، فمعنى العبارة : «إن قلت : جعل التخيير بين الأقل والأكثر ممكن في مثل ما إذا كان للأكثر وجود واحد».
وحاصل هذا الإشكال : أن محصلية الأكثر للغرض الداعي إلى وجوبه تختص ببعض موارد الأقل والأكثر ، وهو : ما إذا وجد الأكثر دفعة ، بحيث لا يكون للأقل في ضمنه وجود مستقل ، كالخط الطويل المتحقق دفعة ؛ فإنه ليس للخط القصير الموجود في ضمنه وجود كذلك دون ما إذا كان للأقل وجود على حدة قبل تحقق الأكثر كالتسبيحة ؛ فإنها توجد بوجود مستقل قبل حصول التسبيحتين الأخيرتين ، فلا وجه حينئذ لوجوب التسبيحات الثلاث تخييرا بينها وبين التسبيحة الواحدة ؛ إذ المفروض : فردية الأقل ـ أعني : التسبيحة الواحدة ـ للطبيعي المأمور به ، ووفاؤه بالغرض. فلا يتصور التخيير بين الأقل والأكثر مطلقا ؛ إذ في صورة دفعية الأكثر هو يتعين للوجوب ، وفي صورة تدريجيته الأقل هو يتعين للوجوب لفرديته للمأمور به ، ووفائه بالغرض الداعي إلى تشريع الوجوب ، فالواجب : إما الأكثر وإما الأقل لا أحدهما تخييرا.
(٢) يعني : ومع حصول الغرض بالأقل المفروض وجوبه تخييرا لا محالة يكون الزائد على الأقل مما لا دخل له في حصول الغرض الداعي إلى الإيجاب ، فيكون زائدا على الواجب ، لا من أجزائه لفرض تحقق الواجب بالأقل.