فيه ولا شبهة تعتريه ، إلّا إنه لا يقتضي إلّا امتناع الاجتماع ، وعدم وجود أحدهما إلّا مع عدم الآخر الذي هو بديل وجوده المعاند له فيكون في مرتبته ، لا مقدما عليه ولو طبعا ، والمانع الذي يكون موقوفا عليه الوجود (١) هو ما كان ينافي ويزاحم المقتضي في تأثيره ، لا ما يعاند الشيء ويزاحمه في وجوده.
______________________________________________________
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن استدلال المشهور على النهي عن الضد بوجوب المقدمة إنما يتم فيما لو كان المراد بالتمانع المعنى الثاني الاصطلاحي ؛ لأن التمانع بهذا المعنى يكون مقتضيا لمقدمية عدم أحد الضدين لوجود الآخر.
ولكن التمانع بهذا المعنى غير ثابت في الضدين ، بل القدر الثابت من التمانع هو : استحالة اجتماعهما في الوجود ، وأما مقدمية عدم أحدهما للآخر فليست بثابتة ؛ وذلك لعدم انطباق ضابط المانع الاصطلاحي عليه ؛ لأن ضابطه : أن المانع عبارة عما ينافي ويزاحم المقتضي ـ بالكسر ـ في تأثيره ، وترتب المقتضى ـ بالفتح ـ عليه بحيث يكون عدمه من أجزاء علة وجود الأثر ومتقدما ، وهذا المعنى من المانع لا ينطبق على الضد ، لكون الضدين كالنقيضين في رتبة واحدة ، لوضوح : عدم تقدم وجود البياض على وجود السواد بشيء من أقسام السبق والتقدم ، بل هما في رتبة واحدة ، ومع وحدة رتبة العينين في الضدين لا بد أن يكون نقيض كل منهما أيضا في رتبة عين الآخر حفاظا لمرتبة النقيضين ، فعدم البياض يكون في رتبة وجود السواد ؛ إذ المفروض : كون نفس البياض في رتبة السواد ، ومع اتحاد عدم أحدهما مع عين الآخر رتبة لا تتصور المقدمية المتقومة بالتقدم. فدعوى : مقدمية عدم أحدهما لوجود الآخر ـ كما في دليل المشهور ـ باطلة ؛ لاستلزامها انخرام قاعدة وحدة رتبة النقيضين.
(١) أي : ما يكون وجود المأمور به موقوفا على عدمه ـ بحيث يكون عدمه مقدمة ـ هو المانع ؛ بمعنى : «ما كان ينافي ويزاحم المقتضي في تأثيره لا ما يعاند الشيء ويزاحمه في وجوده» كما هو في الضدين ، فإن كلا منهما يعاند الآخر في وجوده ، ولا يمنع عن تأثير مقتضي الآخر ، فليس مانعا بالمعنى الاصطلاحي إذ المانع بهذا المعنى من شأنه منع تأثير المقتضي. ومع عدم المنع كيف يكون مانعا؟
فالمتحصل : أنه لا وجه لمقدمية عدم أحد الضدين لوجود الآخر ، وبالتالي لا وجه لاستدلال المشهور بوجوب المقدمة على النهي عن الضد بأن يقال : إن عدم الضد كالصلاة واجب لكونه مقدمة للواجب كالإزالة ، فتحرم الصلاة لكونها مانعة عن الواجب ؛ لما عرفت غير مرة : من أن عدم أحد الضدين لا يكون مقدمة للضد الآخر.