وقد تفصّي عن الإشكال بوجهين آخرين :
أحدهما : ما ملخصه : (١) أن الحركات الخاصة ربما لا تكون محصلة لما هو المقصود
______________________________________________________
قوله : «حيث إنه لا يدعو إلّا إلى ما هو المقدمة» ؛ تعليل لقوله : «يدعو إلى ما هو كذلك».
وحاصل التعليل : أن دعوة الأمر الغيري إلى ما هو عبادة في نفسه إنما هي لأجل أن شأن الأمر الغيري هو الدعوة إلى ما هو مقدمة ، والمفروض : أن المقدمة من الطهارات الثلاث ما يكون عبادة بنفسه ، فقصد أوامرها الغيرية قصد إجمالي لأوامرها النفسية.
قوله : «فافهم» لعله إشارة إلى أن الموجب لعبادية شيء إذا كان دعوة أمره العبادي ـ بحيث يكون منشأ عباديته قصد ذلك الأمر تفصيلا أو إجمالا ـ فهو مفقود في المقام ؛ إذ مع الجهل بعباديته أو الغفلة عنها لا يكون الداعي إلى إتيانه إلّا الأمر الغيري المغاير للأمر العبادي ، فكيف يكون الداعي حينئذ ـ ولو إجمالا ـ الأمر العبادي ، مع عدم انطباق الأمر الغيري عليه لمغايرتهما بالتضاد؟ فالأمر النفسي ليس داعيا لا تفصيلا ولا إجمالا إلى عبادية الشيء ؛ لأنه مجهول أو مغفول عنه ، فلا محيص حينئذ عن الالتزام ببطلان الطهارات. كما في «منتهى الدراية ج ٢ ، ص ٢٦٤».
والتخلص عن هذا الإشكال : أن يقال : إن الأمر الغيري مقرّب إلى الله تعالى كالأمر النفسي بعينه كما قيل. أو يقال : بكفاية الرجحان الذاتي في حصول الثواب ، وإمكان قصد التقرب إلى الله «سبحانه وتعالى» على ما قيل. أو إشارة إلى إن ما ذكر في الدفع من كون الطهارات الثلاث بنفسها مستحبة غير مستقيم في التيمم ؛ إذ لا استحباب للتيمم نفسيا ، فيشكل على المصنف : بأن ـ الدفع بما ذكرت ـ لا يطرد في التيمم لعدم استحبابه النفسي ؛ بدعوى : أنه مما لم يقم دليل على كونه مطلوبا نفسيا.
ولكن الحق : كون التيمم من العبادات ، والشاهد عليه : ما أفاده في الجواهر في مبحث اعتبار النية في التيمم «من أن الواجب في التيمم النية كغيره من العبادات إجماعا محصلا ومنقولا» (١). انتهى مورد الحاجة. هذا مضافا ما جاء في قوله «عليهالسلام» : «التراب أحد الطهورين». وكيف كان ؛ فقد أضربنا عما في المقام من بسط الكلام في النقض والإبرام رعاية للاختصار.
(١) ملخص الوجه الأول : إن اعتبار قصد القربة في الطهارات الثلاث ليس لأجل أن الأمر المقدمي مما يقتضي التعبدية ؛ بل لأجل أن المقدمات العبادية ليست مقدميّتها بما
__________________
(١) جواهر الكلام ، ج ١ ، ص ١٦٧.