وبهذا اتضح أن قرينية الحاكم تختلف عن قرينية المخصص اختلافاً جوهرياً ، وليس هو بحسب اللفظ ولسان الدليل فحسب. ويمكن تلخيص ذلك في نقطتين :
الأولى : أن قرينية المخصص ناشئة من ظهور عرفي سياقي ، وقرينية الحاكم من ظهور عرفي لفظي. وأن ملاك تقديم المخصص على العام نفس ملاك تقديم الحاكم على المحكوم ، أي أن القرينية فيهما معاً عرفية ، وليست إحداهما عقلية والأخرى عرفية.
الثانية : أن الحاكم إذا انفصل لا يسقط عن القرينية والبيانية ، بخلاف المخصص فإنه إذا كان منفصلاً حقيقة ، ولم يكن كالمتصل يسقط عن البيانية العرفية.
أما القسم الثاني من كلامه (قدِّس سرّه) وهو أن يكون الحاكم ناظراً إلى عقد الوضع للمحكوم ، فإنه ذكر أنه لا تعارض بين الدليلين ، لأن مفاد المحكوم هو من قبيل القضية الشرطية. وقد ثبت في المنطق أن القضايا الشرطية لا تتكفّل إثبات أو نفي الشرط ، إذ لا نظر لها إلا إلى الملازمة بين ثبوت الجزاء وثبوت الشرط. والدليل الحاكم ناظر إلى الشرط في الدليل المحكوم إثباتاً ونفياً. فليس ما هو محط النفي في أحد الدليلين محط الإثبات في الدليل الآخر ، كي يتحقّق التعارض بينهما.
وهذا البيان واضح البطلان ، لأنه : وإن كان لا يلزم من صدق القضية الشرطية صدق طرفيها ، فيجتمع صدقها مع كذب جزأيها بالفعل ؛ لأن كذب الجزاء قد يستند إلى كذب الشرط (١) لا إلى كذب الملازمة. إلّا أن ذلك لا
__________________
(١) كقوله تعالى في سورة الأنبياء (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) الأنبياء : ٢٢ ،