أما بالنسبة إلى دليل القاعدة ، فليس أخذ قيد عدم الإقدام في موضوعها هو من باب ورود المخصّص المنفصل لنحسب حسابه بالدقّة العقلية ، وإنما هو من باب الاستظهار العرفي بحسب قرينة الامتنان ومناسبات الحكم والموضوع. ولذا لا بدّ من ملاحظة هذه القرينة المتصلة مع القاعدة ، لنقف على حدودها سعةً وضيقاً. وما ينبغي أن يقال بلحاظ هذه القرينة هو أنها تقتضي عدم شمول القاعدة لموارد الإقدام على الضرر ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله فيما بعد. حينئذٍ لا بدّ أن يرى مقدار اقتضاء هذه القرينية في تكييف ظهور القاعدة ، وأنه هل هو بنحو التصوّر الأوّل أو الثالث؟
النقطة الخامسة : البحث في أن المستظهر من حديث «لا ضرر» هل القيد المأخوذ في موضوع القاعدة ، هو الاحتمال الأوّل ، أي عدم الإقدام لولا الضرر ، أم بنحو الاحتمال الثالث ، أي لو جرى «لا ضرر» لما كان هناك إقدام؟ والسبب في ذلك أن هذا القيد لم يؤخذ لفظاً في الحديث ، وإنما مدركه تلك القرينة المتصلة على أن الحديث مسوق مساق الامتنان على الأمّة. وهذا لا يقتضي الشمول لأكثر من الاحتمال الأوّل ، لأن ظاهر الحديث أن المولى في مقام التفضّل على من يستحقّ الامتنان في نفسه بقطع النظر عن القاعدة ، أي أنها ناظرة إلى موارد امتنانية نفي الضرر حتى تجري. أما إذا بنينا على الاحتمال الثالث ، فهذا معناه أن القاعدة تنفي الضرر في مورد يصدق عدم الإقدام في طول جريانها ، فيلزم أن تكون مورد الامتنان لنفسها ، وهو خلاف الظاهر.
فتحصّل إلى هنا أن الإقدام على الضرر ثابت في باب الإجناب العمدي ، من دون لزوم محذور الدور ، فيكون موضوع وجوب الغسل هو المحقّق ، وعليه