الثالث : هو أن يكون «الضرار» مصدراً ثانياً ل «ضرّ» ، أي أن «الضرر والضرار» كليهما مصدر للفعل الثلاثي المجرّد ، كالكتْب والكتاب لكَتَبَ. هذا الاحتمال معقول في نفسه ؛ وبناءً عليه حينما يكون عندنا مصدران ، أحدهما أكثر حروفاً ، فلا بد أن يؤخذ فيه نحو من التعمّق والتأكّد والرسوخ. وهذا يلائم بحسب مناسبات الحكم والموضوع أن يراد بالضرار نحو من الرسوخ والتأكّد أو التعمّد والتقصّد ، فيرجع إلى الاحتمالات السابقة أيضاً.
وتنتهي هذه الاحتمالات الثلاثة إلى محصّل واحد ، ويكون الأمر دائراً في «الضرار» بين أن يراد به الضرر الشديد أو العمدي ، طبعاً بعد رفع اليد عن أن يكون المراد من «الضرار» في المقام المصدر غير المطعّم بأي معنىً زائد على كلمة «الضرر». كما قد يدّعى بأن «الضرار» بمعنى «الضرر» كما في المنجد وغيره من كتب اللغة ، فإنه يلزم أن يكون تأكيداً محضاً ، خصوصاً مع تكرار أداة النفي حيث لم يقل «لا ضرر وضرار» وهو خلاف الظاهر ، بل يكون لغواً.
وكذلك لا يمكن المصير إلى احتمال أن يكون المراد من «الضرار» الضرر الشديد ، لأن الظهور السياقي في «لا ضرار» الذي انعقد ببركة تأخير هذه الفقرة عن «لا ضرر» يقتضي أن يكون المنفيّ بها معطياً لمعنىً زائد ممّا استفيد من النفي في الفقرة الأولى ، وبهذا ينتفي أن يكون المراد هو الضرر الشديد ، لأنه بنفي أصل الضرر ينفى الشديد منه أيضاً.
إذن فمقتضى هذا الظهور السياقي أن يُراد من «الضرار» معنىً يفيد شيئاً إضافياً لم يكن يتكفّله نفي الضرر ، وهذا منحصر في دائرة المعاني العرفية المتعارفة لهذه الكلمة ، في تقصّد الضرر وتعمّده وإعمال العناية فيه.