وأما الإشكال الثاني ففيه جوابان :
أحدهما ـ أنه وضع الظاهر موضع المضمر ، والأصل آتيتموهنّ.
والثاني ـ أنّ المستبدل بها مبهمة ، فقال : إحداهنّ ؛ إذ لم تتعين حتى يرجع الضمير إليها ، وقد ذكرنا نحوا من هذا في قوله : (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى).
(بُهْتاناً) : فعلان من البهت ، وهو مصدر في موضع الحال.
ويجوز أن يكون مفعولا له.
٢١ ـ (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ؟) : كيف في موضع نصب على الحال ؛ والتقدير : أتأخذونه جائرين؟ وهذا يتبيّن لك بجواب كيف. ألا ترى أنك إذا قلت كيف أخذت مال زيد؟ كان الجواب حالا ، تقديره : أخذته ظالما أو عادلا ونحو ذلك ؛ وأبدا يكون موضع كيف مثل موضع جوابها.
(وَقَدْ أَفْضى) : في موضع الحال أيضا.
(وَأَخَذْنَ) : أي وقد أخذن ؛ لأنّها حال معطوفة والفعل ماض فتقدّر معه «قد» ليصبح حالا ، وأغنى عن ذكرها تقدّم ذكرها.
(مِنْكُمْ) : متعلق بأخذن. ويجوز أن يكون حالا من ميثاق.
٢٢ ـ (ما نَكَحَ) : مثل قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) ، وكذلك : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ؛ وهو يتكرّر في القرآن.
(مِنَ النِّساءِ) : في موضع الحال من «ما» ، أو من العائد عليها.
(إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) : في «ما» وجهان :
أحدهما ـ هي بمعنى من ، وقد ذكر.
والثاني ـ هي مصدريّة ؛ والاستثناء منقطع ؛ لأنّ النهي للمستقبل ، وما سلف ماض ؛ فلا يكون من جنسه ، وهو في موضع نصب.
ومعنى المنقطع أنه لا يكون داخلا في الأول ؛ بل يكون في حكم المستأنف ، وتقدّر «إلا» فيه بلكن ؛ والتقدير هنا : ولا تتزوّجوا من تزوّجه آباؤكم ، ولا تطؤوا من وطئه آباؤكم ، لكن ما سلف من ذلك فمعفوّ عنه ، كما تقول : ما مررت برجل إلا بامرأة ؛ أي لكن مررت بامرأة ، والغرض منه بيان معنى زائد ؛ ألا ترى أنّ قولك : ما مررت برجل ـ صريح في نفي المرور برجل ما غير متعرّض بإثبات المرور بامرأة أو نفيه ، فإذا قلت : إلا بامرأة كان إثباتا لمعنى مسكوت عنه غير معلوم ـ بالكلام الأول ـ نفيه ولا إثباته. (إِنَّهُ) : الهاء ضمير النكاح.
(وَمَقْتاً) : تمام الكلام ، ثم يستأنف : (وَساءَ سَبِيلاً) : أي وساء هذا السبيل من نكاح من نكحهن الآباء.
و «سبيلا» : تمييز.
ويجوز أن يكون قوله : (وَساءَ سَبِيلاً) معطوفا على خبر كان ، ويكون التقدير : مقولا فيه ساء سبيلا.
٢٣ ـ (أُمَّهاتُكُمْ) : الهاء زائدة ، وإنما جاء ذلك فيمن يعقل ، فأما ما لا يعقل فيقال : أمات البهائم ، وقد جاء في كل واحد منهما ما جاء في الآخر قليلا ؛ فيقال : أمات الرجال ، وأمهات البهائم.
(وَبَناتُكُمْ) : لام الكلمة محذوفة ، ووزنه فعاتكم ؛ والمحذوف واو أو ياء ، وقد ذكرناه.
فأما بنت فالتاء فيها بدل من اللام المحذوفة ، وليست تاء التأنيث ؛ لأنّ تاء التأنيث لا يسكّن ما قبلها ، وتقلب هاء في الوقف ، فبنات ليس بجمع بنت ، بل بنة ، وكسرت الباء تنبيها على المحذوف ؛ هذا عند الفرّاء.
وقال غيره : أصلها الفتح ، وعلى ذلك جاء جمعها ، ومذكّرها وهو بنون ، وهو مذهب البصريين.
وأمّا أخت فالتاء فيها بدل من الواو ؛ لأنّها من الأخوة ، فأما جمعها فأخوات.
فإن قيل : لم ردّ المحذوف في أخوات ، ولم يردّ في بنات؟
قيل : حمل كلّ واحد من الجمعين على مذكّره ؛ فمذكر بنات لم يردّ فيه المحذوف ؛ بل جاء ناقصا في الجمع ؛ فقالوا بنون ، وقالوا في جمع أخ إخوة وإخوان ، فردّ المحذوف.
والعمّة : تأنيث العم ، والخالة تأنيث الخال ، وألفه منقلبة عن واو ؛ لقولك في الجمع : أخوال. (مِنَ الرَّضاعَةِ) : في موضع الحال من أخواتكم ؛ أي وحرّمت عليكم أخواتكم كائنات من الرضاعة.
(اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) : نعت لنسائكم التي تليها ، وليست صفة لنسائكم التي في قوله : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) لوجهين :
أحدهما ـ أنّ نساءكم الأولى مجرورة بالإضافة ، ونساءكم الثانية مجرورة بمن ، فالجرّان مختلفان ، وما هذا سبيله لا تجري عليه الصفة ، كما إذا اختلف العامل.
والثاني ـ أنّ أمّ المرأة تحرم بنفس العقد عند الجمهور ، وبنتها لا تحرم إلا بالدخول ؛ فالمعنى مختلف.
و (مِنْ نِسائِكُمُ) : في موضع الحال من ربائبكم ، وإن شئت من الضمير في الجار الذي هو صلة ؛ تقديره : اللاتي استقررن في حجوركم كائنات من نسائكم.
(وَأَنْ تَجْمَعُوا) : في موضع رفع عطفا على أمهاتكم.
و (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) : استثناء منقطع في موضع نصب.