فهم من أجل ذلك لا يعبدون الله : الثاني أم خلقوا من غير أب ولا أم كالجمادات فهم لا يؤمرون ولا ينهون كحال الجمادات : الثالث أم خلقوا من غير أن يحاسبوا ولا يجازوا بأعمالهم فهو على هذا كقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) [المؤمنون : ١١٥] (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) معناه أهم الخالقون لأنفسهم بحيث لا يعبدون الخالق؟ أم هم الخالقون للمخلوقات بحيث يتكبرون؟ (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) المعنى أعندهم خزائن الله بحيث يستغنون عن عبادته؟ وقيل : أعندهم خزائن الله بحيث يعطون من شاءوا ويمنعون من شاءوا؟ ويخصون بالنبوّة من شاءوا (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) (١) أي الأرباب الغالبون ، وقيل : المسيطر المسلط القاهر (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) يعني أم لهم سلم يصعدون به إلى السماء ، فيسمعون ما تقول الملائكة ، بحيث يعلمون صحة دعواهم. ثم عجّزهم بقوله : (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجة واضحة على دعواهم (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) معناه أتسألهم على الإسلام أجرة ، فيثقل عليهم غرمها فيشق عليهم اتباعك (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) المعنى أعندهم علم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه حتى يقولوا : لا نبعث وإن بعثنا لا نعذب؟ وقيل : المعنى فهم يكتبون للناس سننا وشرائع من عبادة الأصنام وتسييب السوائب وشبه ذلك (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) إشارة إلى كيدهم في دار الندوة (٢) بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، حيث تشاوروا في قتله أو إخراجه (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) أي المغلوبون في الكيد ، والذين كفروا يعني من تقدم الكلام فيهم وهم كفار قريش ، فوضع الظاهر موضع المضمر ، ويحتمل أن يريد جميع الكفار (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) المعنى هل لهم إله غير الله يعصمهم من عذاب الله ويمنعهم منه؟ وحصر الله في هذه الآية جميع المعاني التي توجب التكبر والبعد من الدخول في الإسلام ونفاها عنهم ؛ ليبين أن تكبرهم من غير موجب وكفرهم من غير حجة.
(وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) كانوا قد طلبوا أن ينزل عليهم كسفا من السماء ، فالمعنى أنهم لو رأوا الكسف ساقطا عليهم لبلغ بهم الطغيان والجهل والعناد أن يقولوا : ليس بكسف وإنما هو سحاب مركوم : أي كثيف بعضه فوق
__________________
(١). قرأ ابن كثير وحفص : المسيطرون وقرأ حمزة بالإشمام وقرأ الباقون بالصاد المصيطرون.
(٢). مركز اجتماعات كان في مكة قبل الإسلام.