سيئاته (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) الإمداد هو الزيادة مرة بعد مرة (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً) أي يتعاطونها إذ هم جلساء على الشراب (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) (١) اللغو الكلام الساقط ، والتأثيم : الذنب فهي بخلاف خمر الدنيا (غِلْمانٌ لَهُمْ) يعني خدامهم (كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) اللؤلؤ الجوهر ، والمكنون المصون ، وذلك لحسنه وقيل : هو الذي لم يخرج من الصدف (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) أي كنا في الدنيا خائفين من الله ، والإشفاق شدة الخوف (السَّمُومِ) أشد الحر وقيل : هو من أسماء جهنم (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ) يحتمل أن يكون بمعنى نعبده ، أو من الدعاء بمعنى الرغبة ، ومن قبل يعنون في الدنيا قبل لقاء الله (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) البر الذي يبرّ عباده ويحسن إليهم ، وقرأ نافع والكسائي أنه بفتح الهمزة على أن يكون مفعولا من أجله ، أو يكون هذا اللفظ هو المدعو به وقرأ الباقون بكسرها على الاستئناف.
(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) هذا خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أي ذكّر الناس. ثم نفى عنه ما نسبه إليه الكفار من الكهانة والجنون. ومعنى : بنعمة ربك : بسبب إنعام الله عليك (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أم في هذا الموضع وفيما بعده للاستفهام بمعنى الإنكار ، والتربص الانتظار ، وريب المنون ، حوادث الدهر ، وقيل : الموت ، وكانت قريش قد قالت : إنما هو شاعر ننتظر به ريب المنون فيهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء كزهير والنابغة (قُلْ تَرَبَّصُوا) أمر على وجه التهديد (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) الأحلام العقول : أي كيف تأمرهم عقولهم بهذا ، والإشارة إلى قولهم هو شاعر ، أو إلى ما هم عليه من الكفر والتكذيب ، وإسناد الأمر إلى الأحلام مجاز كقوله : أصلاتك تأمرك [هود : ٨٧] (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) أم هنا بمعنى بل ، ويحتمل أن تكون بمعنى بل وهمزة الاستفهام بمعنى الإنكار كما هي في هذه المواضع كلها (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) أي اختلقه من تلقاء نفسه ، وضمير الفاعل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وضمير المفعول للقرآن (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) ردّ عليهم وإقامة حجة عليهم ، والأمر هنا للتعجيز (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها أن معناه أم خلقوا من غير رب أنشأهم واستعبدهم ،
__________________
(١). قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنصب : لا لغو فيها ولا تأثيم مثل الآية : [١٩٦] البقرة : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ).